يشهد مجلس النواب خلال الجلسات القادمة مواجهة مع الحكومة بسبب مشروع قانون العدالة الانتقالية، ففى الوقت الذى تتراخى فيه الحكومة عن تقديم مشروع القانون رغم أن الدستور يلزم البرلمان بأن يصدر قانون للعدالة خلال دور الانعقاد الأول، أخذت لجنة حقوق الإنسان المبادرة وأعلنت على لسان رئيسها محمد أنور السادات، تمسك اللجنة بإعداد مشروع القانون خلال دور الانعقاد الأول من الفصل التشريعى، رافضًا ما يتردد حول تأجيل إرسال مشروع القانون الحكومى إلى المجلس، قائلًا "إن هناك اتجاهًا يلمسه بتأجيل نظر القانون إلى دور الانعقاد الثانى، مشيرًا إلى أن هذا يتنافى مع الدستور".
مشروع القانون يتكون من 70 مادة لمعالجة ماضى انتهاكات حقوق الإنسان
تقدم كل من السادات، وعاطف مخاليف الوكيل الأول للجنة حقوق الإنسان، ومحمود محى الدين، أمين سرها، و60 نائبًا آخرين، بمشروع قانون إلى الدكتور على عبد العال، رئيس مجلس النواب، للعدالة الانتقالية، يتكون من 70 مادة حددت مسار متكامل من الآليات لمعالجه ماضى انتهاكات "حقوق الإنسان" بكشف حقيقتها ومحاسبة المسؤولين عنها ورد الاعتبار بما يحقق المصالحة الوطنية ويحفظ الذاكرة الجماعية ويوثقها ويرسى ضمانات عدم تكرارها.
المساءلة تحدث من خلال دوائر قضائية متخصصة بالمحاكم الابتدائية بمقار محاكم الاستئناف
تحدث المساءلة وفقًا للمشروع، من خلال دوائر قضائية متخصصة بالمحاكم الابتدائية بمقار محاكم الاستئناف تتكون من قضاة يقع اختيارهم من بين من لم يشاركوا فى محاكمات ذات صبغة سياسية، ويتم إعدادهم فى مجال العدالة الانتقالية، وتتعهد الدوائر بالنظر فى القضايا المتعلقة بالانتهاكات لحقوق الإنسان على معنى الاتفاقيات الدولية المصادق ليها، منها: القتل العمد، والاغتصاب أو أى شكل من أشكال العنف الجنسى، والتعذيب والاختفاء القسرى والإعدام دون توفر ضمانات المحاكمة العادلة، بجانب النظر فى الانتهاكات المتعلقة بتزوير الانتخابات والفساد المالى والاعتداء على المال العام والدفع إلى الهجرة الاضطرارية لأسباب سياسية، ولا تسقط بمرور الزمن الدعاوى الناجمة عن الانتهاكات المذكورة.
إنشاء هيئة للعدالة الانتقالية تتكون من 25 عضوًا يختارهم مجلس النواب
ينص المشروع على إنشاء هيئة للعدالة الانتقالية تتكون من 25 عضوًا يختارهم مجلس النواب من بين الشخصيات المشهود لها بالحياد والكفاءة والنزاهة، لمدة 4 سنوات قابلة للتجديد، وتتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالى والإدارى ولا يحق لأى شخص التدخل فى أعمالها أو التأثير على قراراتها، ويمتد عملها فى الفترة ما بين الأول من شهر أكتوبر 1981، حيث "اغتيال الرئيس الراحل محمد أنور السادات" إلى حين صدور القانون.
وضع المشروع عدد من الاختصاصات للهيئة فى مقدمتها، عقد جلسات استماع لضحايا الانتهاكات، والبحث عن حالات الاختفاء القسرى، وجمع المعلومات ورصد الانتهاكات وتوثيقها لإعداد سجل موحد للضحايا، وتحديد مسؤوليات أجهزة الدولة فى الانتهاكات المشمولة فى القانون، وتوضيح أسبابها واقتراح المعالجات، ووضع برنامج شامل لجبر ضرر فردى وجماعى لضحايا الانتهاكات يقوم على الإقرار بما تعرض له الضحايا من انتهاكات واتخاذ قرارات وإجراءات جبر الأضرار مع مراعاة كل ما تم اتخاذه من قرارات وإجراءات إدارية أو قضائية سابقة لفائدة الضحايا، وضبط المعايير اللازمة لتعويض الضحايا، وطرق صرف التعويضات، واتخاذ إجراءات إحاطة وتعويض وقتية وعاجلة للضحايا، على أن ينشأ صندوق يسمى "رد الاعتبار" تابع للهيئة.
تتولى الهيئة، صياغة التوصيات والاقتراحات المتعلقة بالإصلاحات السياسية والإدارية والاقتصادية والأمنية والقضائية والإعلامية وغيرها من التوصيات لتجنب العودة إلى القمع والاستبداد وانتهاك حقوق الإنسان وسوء التصرف فى المال العام، وإنشاء لجنة يطلق عليها "إصلاح المؤسسات" لتنظيم النظام الداخلى للهيئة وتركيبتها وسير أعمالها، من شأنها تقديم مقترحات عملية لإصلاح المؤسسات المتورطة فى الفساد والانتهاكات، وتُصدر قرارات للجهات المختصة بالإعفاء أو الإقالة أو الإحالة للتقاعد فى حق كل شخص يشغل إحدى الوظائف العليا بالدولة بما فى ذلك الوظائف القضائية إذا تبين أنه قدم تقاريرًا أو معلومات للسلطات القضائية السابقة نتج عمها ضرر أو انتهاك المذكورة فى هذا القانون، أو قام بعمل عن قصد نتج عنه مساندة أو مساعدة للأشخاص فى الاستيلاء على المال العام أو ثبت مسؤوليته فى الانتهاكات المحددة.
تعنى الهيئة، وفقًا لمشروع القانون، باتخاذ كل التدابير التى تراها ضرورية لحفظ الذاكرة الوطنية لضحايا الانتهاكات، على أن تحيل إلى النيابة العامة الملفات التى يثبت فيها ارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان.
إنشاء لجنة للتحكيم والمصالحة يُعهد إليها النظر والبت فى ملفات الانتهاكات
وفقًا للمشروع، فإنه يتم إنشاء لجنة للتحكيم والمصالحة بالهيئة، يُعهد إليها النظر والبت فى ملفات الانتهاكات المذكورة فى هذا القانون بعد الحصول على موافقة الضحية، وبناء على قواعد العدالة والإنصاف والمعايير الدولية المعتمدة بصرف النظر عن انقضاء الدعوة وسقوط العقاب، وفى حالات الانتهاكات الجسيمة لا يحول قرار اللجنة دون مساءلة مرتكبى الانتهاكات على أن يؤخذ قرارها بعين الاعتبار عند تقدير العقاب.
كما تنظر لجنة "التحكيم والمصالحة" فى مطالب الصلح فى ملفات الفساد المالى ولا يعلق تقديم مطلب الصلح النظر فى القضية ولا تنقرض الدعوى العمومية إلا بموجب ما أخذه دون وجه حق، تكون الدولة وجوبًا طرفًا أصليًا فى الملفات المعروضة على لجنة التحكيم والمصالحة.
تتعهد لجنة "التحكيم والمصالحة" بناءً على اتفاقية تحكيم ومصالحة، بطلب من الضحية بما فى ذلك الدولة المتضررة، بموافقة الدولة فى حالات الفساد المالى إذا تعلق الملف بأموال عمومية أو أموال مؤسسات تساهم الدولة فى رأسمالها بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، بإحالة من الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد بناء على اتفاقية تحكيم ومصالحة بين الأطراف المعنية، بالإحالة من مجلس النواب.
لا يجوز لأطراف النزاع التحكيمى الامتناع عن المشاركة فى جلسات الاستماع العمومية
حسب المشروع، لا يجوز لأطراف النزاع التحكيمى الامتناع عن المشاركة فى جلسات الاستماع العمومية إذا طلبت الهيئة ذلك وتعلق إجراءات المصالحة فى صورة عدم الالتزام بأحكام هذا الفصل، ويعتبر القيام أمام اللجنة عملًا قاطعًا لأجال التقادم ويتوقف نظر الهيئات القضائية فى النزاعات المنشورة أمامها مع اتخاذ الإجراءات والتدابير اللازمة لضمان عدم الإفلات من العقاب طيلة فترة تنفيذ الصلح، والتى تكون محل نظر اللجنة إلى حين تنفيذ القرار التحكيمى، وعلى الهيئة أو أحرص الأطراف إعلام الجهة القضائية المتعهدة بملف القضية بتعهد اللجنة بنفس الملف.
يتضمن القرار التحكيمى، عرض تفصيلى للوقائع وتاريخ اقترافها وصفها القانونى والنصوص القانونية المنطقة عليها، وبيان وجود الانتهاكات من عدمه والأدلة المثبتة أو النافية لها، وتحديد درجة جسامة الانتهاكات فى صورة ثبوتها ونسبتها للمسؤول عنها، وتحديد طبيعة الأضرار وقيمها وطرق جبرها، ويتم اكتساب الصبغة التنفيذية للقرار التحكيمى بعد إمضائه من الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف فى مدة أقصاها 3 أيام من تاريخ إيداعه لديه، ويعتبر القرار التحكيمى نهائيًا غير قابل لأى وجه من أوجه الطعن أو الإبطال أو دعوى تجاوز السلطة.
أوضح مشروع القانون، أن المصالحة لتعزيز الوحدة الوطنية وتحقيق العدالة والسلم الاجتماعية وبناء دولة القانون وإعادة ثقة المواطنين فى مؤسسات الدولة، لكنها لا تعنى بأى حال من الأحوال الإفلات من العقاب وعدم محاسبة المسؤولين عن الانتهاكات.