منذ خمس سنوات تقريبًا، تعيش ليبيا حالة من الفوضى فى مرحلة سميت "ما بعد سقوط معمر القذافى" لكن حتى الآن لم تستطيع تجاوز تلك الفترة العصيبة، واحتدمت الصراعات بين الفصائل المختلفة سواء القوات التابعة إلى حكومة الملقبة بـ"الوفاق الوطنى" برئاسة فايز السراج، أو القوات الحكومية غير المعترف بها دولية بقيادة المشير خليفة حفتر هؤلاء من ناحية، وعلى الجانب الآخر تأتى المليشيات الإرهابية مثل تنيظم الدولة "داعش" وفجر ليبيا وغيرها.. ويسير كل طرف من هؤلاء فى اتجاه ولا يوجدون نقطة التقاء فى ظل حالة من الارتياح سيطرة على دول كبرى كان له دور فى تفاقم الأوضاع الليبية.
قبل الخوض فى غمار ما يحدث فى ليبيا يلزم التنويه بأن الأوضاع فى أسوء حالاتها وهذا وفقًا لما ورد فى تصريحات فى 19 أغسطس الماضى على لسان منسق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة فى ليبيا على الزعترى الذى أكد على أن قرابة 2.4 مليون شخص فى ليبيا أغلبهم من المواطنيين يعيشون مآس إنسانية بسبب الأوضاع الراهنة.
وأكد الزعترى، فى كلمة له بمناسبة اليوم العالمى للعمل الإنسانى، أن الشعب الليبى يمر بفترة هى الأصعب معيشيًا عليه فى كل الفترات السابقة، بسبب ما لحق بالثورة من فوضى واقتتال داخلى وانهيار للخدمات وتشرذم حكومى، مشيرا إلى المجهودات التى تعنى بها مجموعته بالتعاون مع المنظمات الحكومية وغير الحكومية فى ليبيا.
ورغم تلك المآسى فإن الصراعات بين الأطراف المختلفة لا تزال دائرة لكنه كشفت عن حلقة جديدة، وبالتحديد فى 11 سبتمبر الجارى بعدما سيطرت القوات الموالية للحكومة غير المعترف بها فى ليبيا بقيادة خليفة حفترة على منطقة المسمى بـ"الهلال النفطى"، وهى أربعة موانئ لتصدير النفط – رأس لانوف، السدرة، مرسى البريقة، الزويتينة.
المثير فى الأمر أنه فور سيطرة قوات حفر على هذه المنطقة الهامة استراتيجيًا فإن دول مثل الولايات المتحدة الأمريكية، وعدد من دول الاتحاد الأوروبى وهى فرنسا وألمانيا وإيطاليا وإسبانيا والممكلة المتحدة، طالبت قوات حفتر بضرورة وضع تلك الموانئ المتواجدة بين مدينتى سرت وبنغازى تحت سيطرة "السلطات الرسمية للبلاد" أى حكومة فايز السراج، داعية جميع الأطراف إلى إجراء فورى لوقف إطلاق النار والامتناع عن أية أعمال عدائية أخرى.
وأكدت الدول الغربية أن النفط فى ليبيا هو ملك للشعب الليبى ومجلس رئاسة حكومة الوفاق هو الوكيل الوحيد لهذه الموارد، ومؤسسات حكومة الوفاق من واجبها ضمان استخدام عائدات النفط لتوفير الخدمات الأساسية للشعب الليبى مشيرة إلى وجوب بقاء الإنتاج والتصدير تحت سيطرة المؤسسة الوطنية للنفط تحت سلطة حكومة الوفاق.
دعوة الدول الغربية قابلها دعوة عدد كبير من شيوخ وعواقل القبائل الليبية ونشطاء وحقوقيين وسياسيين ليبيين للخروج فى تظاهرات حاشدة، وذلك رفضا للتدخل الأجنبى فى الشأن الداخلى الليبى ودعما لانتصارات الجيش الوطنى الليبى بقيادة خليفة حفتر الذى تم ترقيته إلى رتبة مشير عقب تحريره لمنطقة الهلال النفطى من قبضة الميليشيات.
النقطة المعقدة فى الوضع الليبى أنه لا يوجد كيان موحد يلتف حوله الشعب العربى من أجل مواجهة الفصائل الإرهابية، وهذا ما يتضح فيما حدث فى 26 أغسطس الماضى، نظمت مؤسسات المجتمع المدنى فى مدينة بنغازى الليبية، والمنطقة الشرقية بمشاركة شيوخ وعواقل القبائل، تظاهرات تأييدًا لقرار مجلس النواب الليبى بعدم منح الثقة لحكومة الوفاق غير الدستورية، ورفضا للتدخل الأجنبى فى الشأن الداخلى الليبى، ودعمًا للبرلمان والجيش الوطنى الليبى، ورفض التدخل الأجنبى ومحاولة فرض حكومة الوفاق.
وجاءت التظاهرات بعد تصويت مجلس النواب الليبى فى جلسة له بمدينة طبرق بعدم منح الثقة لحكومة الوفاق التابعة للمجلس الرئاسى برئاسة فائز السراج فى جلسة كاملة النصاب القانونى.
الكفة الأخرى فى ميزان القوى الدولية المتمثل فى روسيا أعلن عن موقفه مما يحدث فى ليبيا مؤخرًا على لسان المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، أن عملية إعادة توزيع مناطق النفوذ فى قطاع النفط بليبيا "لا ينبغى أن تؤثر على تسوية النزاع هناك، لاسيما تشكيل حكومة موحدة فى البلاد".
وأضافت زاخاروفا - فى تصريحات أوردتها وكالة أنباء "تاس" الروسية الخميس- أن الجيش الوطنى الليبى تحت قيادة المشير خليفة حفتر تمكن من السيطرة على موانئ النفط فى البلاد (رأس لانوف، السدر، مرسى البريقة) على طول ساحل البحر الأبيض المتوسط، حيث يقع الجزء الأكبر من البنية التحتية النفطية الليبية، بما فى ذلك محطات النفط، كما حثت القوى المتحاربة فى ليبيا للعمل فى إطار الاتفاقات التى تم التوصل إليها فى وقت سابق للتمكن من تحقيق المصالحة الوطنية.
وبناء على المعلومات المشار إليها أعلاه، فإن الموقف المصرى تمثل فيما أعلنه وزير الخارجية سامح شكرى أن الرئيس سيقوم بطرح الرؤية المصرية أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة بخصوص الجهود المبذولة لتسوية الأزمات الإقليمية حفاظا على الاستقرار فى المنطقة، فضلا عن تطورات الأوضاع السياسية والاقتصادية فى مصر.
وأضاف أن الرئيس السيسى سوف يشارك فى قمة مجلس الأمن حول التطورات فى الشرق الأوسط التى ستولى اهتماما خاصا بكل من سوريا وليبيا .. مؤكدا حرص مصر على وحدة الأراضى السورية ودعم كل الجهود للتوصل لتسوية سلمية للأزمة السورية.
وأوضح شكرى أن مصر ستولى أيضا أهمية قصوى بخصوص ضرورة عودة الاستقرار إلى ليبيا وتحقيق الوفاق الوطنى من خلال تنفيذ اتفاق الصخيرات .. مؤكدا أن مصر تدعم الجيش الوطنى الليبى بكل ما يحمله من شرعية، وشدد على تأييد مصر التام لتحرك الجيش الليبى للحفاظ على الأمن والاستقرار فى ليبيا وتأمين الثروات البترولية الليبية.
وعن سؤال بشأن دعوة الولايات المتحدة وخمس دول أوروبية الجيش الليبى بقيادة الفريق أول خليفة حفتر بالانسحاب من منطقة الهلال النفطى بعد قيامه بتحرير هذه المنطقة من سطوة العصابات المسلحة، قال شكرى أن البيان الصادر من هذه الدول كان متسرعا ولم يراع الاعتبارات الخاصة بالأوضاع الداخلية فى ليبيا .. وشدد من جديد على أهمية الجهود التى يقوم بها الجيش الوطنى الليبى لتأمين أمن واستقرار الأراضى الليبية والحفاظ على الثروات البترولية الليبية.