السبت، 23 نوفمبر 2024 01:25 ص

القمة العربية تنكأ الجراح.. أبو الغيط يحذر من قوى توظف الطائفية لتحقيق أغراض سياسية مقيتة

القمة العربية تنكأ الجراح.. أبو الغيط يحذر من قوى توظف الطائفية لتحقيق أغراض سياسية مقيتة أحمد أبو الغيط الأمين العام لجامعة الدول العربية
الأربعاء، 29 مارس 2017 01:04 م
كتب إبراهيم سالم
ينشر "برلمانى" نص كلمة أحمد أبو الغيط، الأمين العام لجامعة الدول العربية، فى الجلسة الافتتاحية للقمة العربية الـ28، التى تستضيفها منطقة البحر الميت فى الأردن، برئاسة الملك عبد الله الثانى بن الحسين، الذى انتقلت إليه رئاسة القمة من موريتانيا، وذلك بحضور عدد كبير من الرؤساء والملوك والزعماء العرب، والتى جاء نصها كالتالى:

جلالة الملك عبد الله الثانى ابن الحسين المُعظم أصحاب الجلالة والفخامة والسمو أصحاب المعالى والسعادة السيدات والسادة، كم يُسعدنى ويُشرفنى أن أخاطب مقامكم الرفيع اليوم من المملكة الأردنية العزيزة.. هذا البلد الغالى الذى يملك من مقومات المستقبل المشرق بقدر ما يمتلك من عناصر ومعالم التاريخ والحضارة..الأردن الوسطى العصى على الأنواء المُحيطة به.. واسمحوا لى جلالة الملك أن أهنئكم على توليكم رئاسة القمة العربية الثامنة والعشرين.. وعلى تنظيمها الرفيع والمتميز.. وكلى أمل وثقة فى أن رئاستكم للدورة الجديدة ستتسم بكل النشاط والعمل والمبادرة.. وكلها سمات عهدناها فى قيادتكم الواعية للأردن.

كما أود أن أعبر عن التقدير والعرفان إلى فخامة الرئيس محمد ولد عبد العزيز، رئيس الجمهورية الإسلامية الموريتانية على رئاسته لدورة القمة السابعة والعشرين، وبصفة خاصة فى ظل المُلابسات التى أحاطت باستضافة موريتانيا للقمة فى يوليو الماضى، ولما بذله من جهد فى خدمة قضايا العمل العربى المشترك خلال أشهر الرئاسة الموريتانية.

منذ تسعة أشهر توليتُ مهام منصبى أميناً عاماً للجامعة.. وخاطبت حينئذ قمتكم الموقرة لأضع أمامها ملامح رؤيتى للوضع العربى وعملنا المشترك والتحديات التى تواجهنا.. وقد شرعت فى العمل بنشاط على الفور.. كما قمت بزيارات إلى معظم الدول الأعضاء ونلت شرف لقاء قادتها والتحدث معهم حول الوضع العربى والجامعة.. وقد وجدتُ ما يلى:

أولاً: استشعرت ارتياحاً كبيراً ودفعة معنوية هائلة من حديثى مع جميع القادة الذين شرفت بلقائهم.. حيث كان الخطُ العام هو دعم الجامعة العربية وعملها والتمسك بمهمتها السامية فى تمثيل وتوحيد العرب والتعبير عن مصالحهم والذود عنها، وتجسيد آمالهم وتطلعاتهم والسعى إليها.. وبالقدر ذاته استشعرتُ أسى مفهوماً ومرارة لها ما يبررها إزاء الوضع العربى وما طاله من ضعف وانقسام وفرقة.. وقد شكلت تلك المُقابلات علامات إضاءة واضحة على طريق اضطلاعى بمسئولياتى.. ومن هنا فقد عاهدت القادة الذين التقيتهم على أن أنشط قدر إمكانى عمل ودور الجامعة فى مختلف الملفات والقضايا.. وأن أسعى ما أمكن أيضاً إلى لم شمل العرب، وترتيب الأوضاع واستعادة اللحمة فيما بين الجميع.

ثانياً: أنه رغم كل مظاهر الوهن التى تعترى نظامنا العربى، وبرغم ما تُعانى منه أمتنا من مشكلات عديدة وانكسارات وانتكاسات.. فقد تداعت لى أسباب أمل وتفاؤل فى وسط ظلمة حالكة.. ذلك أن جامعتكم العربية يُمكنها أن تكون الجسر بينكم.. وأن تكون قائد عمل مشترك مثمر بين العرب.. ويُمكنها أن تنجز بشكل طيب فى ملفات اقتصادية واجتماعية وثقافية وفكرية بل وعلمية.. إذا ما توفر لها دعم الدول جميعاً وتلاقت إراداتها السياسية على ذلك.

ثالثاً: تحوم حول منطقتنا طيور جارحة كثيرة.. تريد أن تنهش فى الجسد العربى وأن تفتئت على قدرة العرب على توحيد صفهم، وأن تضع العرب فى تناقض بين بعضهم البعض.. وهناك من هذه القوى من يوظف الطائفية والمذهبية على نحو مقيت لتحقيق أغراض سياسية تناقض المصلحة العربية على طول الخط.. وهو نهج نرفضه ونتصدى له وندعو الأطراف التى تمارسه لمراجعة حساباتها.

وتتردد أحاديث عديدة عن السعى لترتيب منطقتنا حتى من دون موافقتنا، وبما يخلق أوضاعاً جديدة فى الشرق الأوسط.. وفى مواجهة هذه الأطروحات جميعاً فقد دافعتُ خلال الأشهر الماضية عن أمرين أساسيين: الأول؛ هو الدولة الوطنية التى خرجت إلى النور فى القرن العشرين، والتى ينبغى الحفاظ عليها باعتبارها نواة النظام العربى التى لا يجب المس بها. والثاني؛ التأكيد على أن الوضع العربى الحالى، ومع كل الإشكالات التى يعانيها، ليس مؤهلاً بعد للدخول فى أية ترتيبات طويلة الأمد للأمن الإقليمى فى ضوء اختلال موازين القوى الذى نرصده جميعاً.

رابعاً: وفى الشأن السياسى، وجدت أن الملفات الأهم ليست فى حوزتنا، أو ضمن قدرتنا على التأثير.. ربما بسبب تداعيات السنوات الست الماضية.. فنحن نتابع عن كثب الأزمة السورية دون وسيلة حقيقية للتدخل مع أطراف أخرى فاعلة تتصدى لصياغة مستقبل سوريا دون اسهام عربى حقيقى، وهذا أمر أجده معيباً.. ورغم تعقيد الموقف الخاص بليبيا وأزمتها فقد سعيت إلى وضع الجامعة مجدداً فى موقف متقدم يسمح لها باستجابة أفضل لنداءات كافة الأشقاء الليبيين الذين يتطلعون بأمل إلى انهاء فصول أزمتهم المستمرة بدعم ومساندة الجامعة.

خامساً: وبطبيعة الحال، فإن قضيتنا المركزية فلسطين حظيت باهتمامى البالغ.. وتناولتها فى لقاءاتى وأحاديثى، بياناً لها ودفاعاً عنها وإعلاء لشأنها.. ومع ذلك فإن الوضع ليس على ما يرام من ناحية، وهو متحرك وإيجابى من ناحية أخرى.. فإسرائيل لازالت تصمم على احتلالها لأراضى فلسطين، وهى تسير سادرة فى غيها دون رادع وتُمعن فى البناء الاستيطانى والتهويد والاستيلاء على الأرض.. كما أن الانقسام الفلسطينى له تبعاته السلبية.. أما على الجانب الإيجابى، فهناك قرار مجلس الأمن الأخير بإدانة الاستيطان وتأييد حل الدولتين، وهناك أيضاً مؤتمر السلام الذى انعقد بباريس فى يناير الماضى وشاركت فيه قوى دولية كثيرة اتحدت ارادتها حول المطالبة بإنهاء الاحتلال وتطبيق حل الدولتين، وهناك أخيراً إدارة أمريكية جديدة تتحدث عن رغبتها فى إعادة دفع العملية السلمية.. وهذه كلها تطورات يتعين البناء عليها ومتابعتها من أجل نُصرة القضية الفلسطينية.

إن اليد العربية لا زالت ممدودة بالسلام على نحوِ ما تقضى مبادرة السلام العربية.. ولا زلنا فى انتظار شريكٍ حقيقى على الجانب الآخر يفهم متطلبات السلام ويعمل بجدية من أجل تحقيقه.. ومن أسفٍ أننا لا نجد هذا الشريك رغم تعدد الوساطات والجهود.

سادساً: خلفت التطورات الميدانية شديدة الصعوبة فى سوريا واليمن والعراق، وأيضاً فى الصومال، أوضاعاً إنسانية متدهورة بين نزوح ولجوء..بل ومجاعات.. فواحد من بين كل اثنين لاجئين فى العالم اليوم، هو للأسف لاجئٌ عربى.. وأصبح لزاماً علينا كعرب أن نتصدى بشجاعة لهذه الأوضاعلأنها تمس بكرامة الإنسان العربى وحقه فى العيش والحياة.. وهنا اسمحوا لى أن أشد على أيدى هؤلاء القادة الذين تجاوبوا مع نداء الإنسانية ووجهوا الموارد إلى نجدة اخوتنا المضارين، وإلى البلدان العربية التى وجدت نفسها فى وجه عواصف من المآسى البشرية، ففتحت الأبواب وآوت المشردين وأغاثت الملهوفين وداوت الجروح.. وأدعو القادة العرب بما عرف عنهم من كرم وإنسانية إلى الاستمرار فى هذا الدعم، بل وإلى تكثيف العون والمدد لمواجهة هذه الأوضاع الإنسانية التى يُعانى منها مدنيون عُزل فى مناطق الأزمات.

سابعاً: بالتوازى مع ذلك كله.. تحتدم فى دولنا الحرب ضد الإرهاب.. تكافحه الحكومات بكل ما أوتيت من عناصر القوة.. وتقاومه المُجتمعات بكل ما تملك من عزيمة وإصرار.. يسقط شهداء بالعشرات والمئات..من العراق إلى سوريا إلى غيرهما من البلدان.. يعيث الإرهاب فى حواضرنا فساداً وخراباً.. ومع هذا لم تهن العزائم فى مواجهته ولم يتوانَ أحد فى التصدى له لأننا نعلم جميعاً أن فى استمراره ونجاحه نهاية لنا.. وفى القضاء عليه بشكل مُبرم بداية جديدة لمجتمعاتنا ومسيراتها التنموية والسياسية.

أصحاب الجلالة والفخامة والسمو، كانت هذه هى معالم الصورة التى تابعتها وتفاعلت معها على مدار الأشهر التسعة الماضية.. ولا ينبغى أن ننسى وسط كل هذه الهموم الجاثمة والتحديات الجسام أن غاية العمل العربى هى المواطن العربى ولا شيء آخر.. أمنه ورخاؤه وسعادته وضمان مستقبله.. والمواطن العربى، على ما نرى جميعاً، ينتابه قلقٌ كبير وهو يُتابع حال الأمة ويشاهد ما تتعرض له من محنة غير مسبوقة فى تاريخها الحديث.. والحقُ أن القلق مشروع والخوف من المستقبل مفهوم.. بل إن هذا القلق هو أيضاً علامة صحة ودليل حيوية فى الجسد العربى.. فالحقيقةُ أن الشعور العربى الجامع ما زال موجوداً.. والعروبة ما زالت موجودة.. والهموم الداخلية فى كل بلدٍ من بُلداننا لا تنفى الاشتراك فى الهم العام، والإحساس بالمخاطر التى تُهدد الكيان العربى فى مجموعه.. والحقيقة أن انعقاد القمة اليوم، وبهذا الحضور الكريم وهذه المشاركة اللافتة من أصحاب الجلالة والفخامة والسمو، لهو رسالةُ طمأنة لهذا المواطن العربى القلق على مستقبله.. رسالة ثقة بأن المنظومة العربية لا زالت تعمل على كل ما فيها من أوجه القصور، وأن التنسيق العربى والعمل المُشترك لا زال هو السبيل الوحيد لمواجهة التحديات.. فالخطوة الأولى لمواجهة أى أزمة إقليمية هى توفر الرؤية المُشتركة بين الأطراف، ووجود مساحة من الثقة والتواصل تسمح بمعالجة التباين فى الرأى، وهو طبيعى.. وبالتحرك بشكل جماعى لمواجهة الأزمات، وهو الغاية المنشودة.

إن أزمتنا الراهنة شديدة ولكن أحسب أن إرادتنا الجامعة أشد وأصلب..وإن مأزقنا خطير ومصيرى، ولكن وحدتنا، إذا صدقت النوايا، قادرة على تجاوزه.. ليس بنا حاجة إلى التباكى على ما كان أو الانغماس فى اليأس.. "إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون".. وإنما نتطلع جميعاً إلى عبور هذه الأزمة بتعاضدنا وتداعينا لنجدة بعضنا البعض، وتوحيد رؤيتنا على أولويات مشتركة للأمن القومى العربى..وفى القرارات المعروضة على القمة تفصيل واضح لهذه الأولويات جميعاً.. فلا نجاة لنا مما نحن فيه إلا مجتمعين متحدين.. واجتماع إرادتنا يقطع بنا نصف الطريق إلى ما نصبو إليه.

إن عالمنا العربى قادرٌ على اللحاق بعصره، وشبابه راغبٌ فى المشاركة فى البناء من أجل المستقبل.. من الضرورى أننفتح أمام هؤلاء الشباب نوافذ الأمل والرجاء.. وأن تُطرح فى مجتمعاتنا عقود اجتماعية جديدة تستنفر طاقاتهمومواهبهم الإبداعية لبناء اقتصادات تنافسية تُفيد كافة طبقات المجتمع وتقوم على نماذج عصرية فى التنمية.. تنمية البشر والحجر معاً.. تنمية تنزع عن المجتمعات آفة التطرف.. وتواجه غربان الهدم والخراب بمعاول البناء والعمران.. فكل فرصة تعليم جيد أو عمل لائق تنشل أسرة من الفقر وتثبت إيمان الفرد بمجتمعه ودولته.. بل قد توفر دماء زكية و تنقذ أرواحاً بريئة.

ولا يُداخلنى شك فى أن الشعوب والحكومات العربية قادرة على عبور هذا الفصل الخطير فى تاريخها الحديث، وهى أشد قوة وأصلب عوداً وأمضى عزيمة وأكثر تضامناً ووحدة.
أشكركم، ووفقكم الله إلى ما فيه خير أمتنا ورفعتها ووحدة كلمتها.



print