قال الدكتور مشعل بن فهم السلمي، رئيس البرلمان العربي في كلمته التي ألقاها اليوم، باجتماع مجلس جامعة الدول العربية الثامن والعشرين على مستوى القمة، التى تستضيفها منطقة البحر الميت فى الأردن، برئاسة الملك عبد الله الثانى بن الحسين، الذى انتقلت إليه رئاسة القمة من موريتانيا، وذلك بحضور عدد كبير من الرؤساء والملوك والزعماء العرب، إن البرلمان العربي يعمل على دعم السياسات والمواقف تجاه القضايا والمصالح العربية في المحافل الإقليمية والدولية، في ظل تنامي دور الدبلوماسية البرلمانية في العالم، وتعاظم تأثيرها على مسار السياسات الدولية، وإن الدور الذي يقوم به البرلمان العربي في تعزيز الروابط، وفتح قنوات التواصل، وتوطيد العلاقات مع العديد من الاتحادات والهيئات البرلمانية الوطنية والإقليمية والدولية ومجالس ومنظمات الأمم المتحدة وحقوق الإنسان، مهد الطريق أمام التواصل مع ممثلي شعوب العالم لنقل رسالة الشعب العربي بما يعزز ويدعم الدبلوماسية الرسمية العربية.
وأشار الدكتور مشعل السلمي، إلى أن البرلمان العربي هو صوت الشعب العربي، المعبر عن آمال وتطلعات الأمة العربية، وهو المؤسسة التشريعية والرقابية لمنظومة جامعة الدول العربية، والذي أصبح دورهُ أكثرَ فاعليةً وقوةً، بدعمٍ من مجلسهم الموقر الذي كان له الدورُ الأهم في تمكينه من أداء صلاحياته، وتعزيزِ دورِه للعملِ كأداةٍ فاعلةٍ خدمةً لقضايا ومصالح الأمة العربية في كافة المحافل الإقليمية والدولية، متطلعا من مجلسهم الموقر، مزيداً من الدعم لتفعيل الدور التشريعي الهام الذي يقوم به البرلمان العربي، بما يعزز العمل العربي المشترك، ويحقق التكامل الاقتصادي، والتكافل الاجتماعي، والتنمية المستدامة، والعمل على ترسيخ البعد الشعبي، ودورهُ في مسيرة العمل العربي المشترك، وفي هذا السياق
وأوضح رئيس البرلمان العربي، أنه انطلاقا من المسؤولية الملقاة على عاتق البرلمان العربي، في ظل الظروف بالغة التعقيد التي تعصف بعالمنا العربي، بادر البرلمان العربي بالتأسيس لاجتماع دوري مع أصحاب المعالي رؤساء البرلمانات والمجالس العربية، وذلك لدراسة الأوضاع والتحديات التي تواجه عالمنا العربي، وتقديم رؤية عربية موحدة تعالج تلك القضايا والتحديات، تُعبر عن تطلعات المواطن العربي، هذه الرؤية صدرت باسم وثيقة المؤتمر الثاني للبرلمان العربي ورؤساء البرلمانات والمجالس العربية الذي انعقد في مقر جامعة الدول العربية في شهر جمادى الأولى 1438 هـ - فبراير 2017م، الوثيقة تضمنت رسم مواقف، وتقديم حلول ومعالجات لكافة القضايا والتحديات التي تواجه العالم العربي، ونتطلع باسم البرلمان العربي ورؤساء البرلمانات العربية لاعتمادها كوثيقة من وثائق هذه القمة.
كما بادر البرلمان العربي أيضا بإصدار عدد من الرؤى والوثائق والتوصيات بشأن القضايا التي تهم المواطن العربي، وتمُس أمنه القومي وقوتَه اليومي، حيث أقر رؤية للتصدي للقانون الأمريكي المسمى"العدالة ضد رعاة الإرهاب" (جاستا)، كما أعتمد رؤية بشأن المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة والتصدي للوضع اللاإنساني والقوانين التعسفية ضد الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، وأصدر رؤيته بشأن معالجة قضية الفقر في العالم العربي، كما أصدر ثلاث وثائق برلمانية تُلامس ثلاثة موضوعات في غاية الأهمية للمجتمعات العربية، وهي المرأة والشباب والبيئة، حيث أصدر الوثيقة العربية لحقوق المرأة، ووثيقة الشباب العربي، والوثيقة العربية لحماية البيئة وتنميتِها.
وقال الدكتور مشعل السلمي إن العالم العربي كان ولا يزال وسوف يكون محط أنظار وأطماع واستهداف قِوى ودول إقليمية ودولية، فهو مهد الديانات السماوية، ومصدر إشعاع الحضارات الإنسانية، ومخزن الثروات الطبيعية، يتوسط قارات العالم، ويربط الشرق بالغرب، ولذلك فهو يتعرض على مر العصور والأزمان، لحملات غزو وغارات احتلال وجيوش استعمار، ولكنه على الرغم من كلِ ذلك، ظل شامخاً وصامداً عصياً على الانكسار، كلما أراد الأعداءُ النيلَ منه، أزداد قوة وصلابة وشموخاً...ولذلك ما نعيشه اليوم من موجات احتلال ومحاولات استعمار وحملات غزو فكري وأيدلوجي ومذهبي، تمهد لإعادة أمجاد إمبراطوريات سالفة ذهبت على أيدي العرب أدراج التاريخ ولن تعود بحول الله وقوته.
واستطرد رئيس البرلمان العربي قائلا: إن القمة العربية تنعقد في ظرف دقيق، تتأكد فيه الحاجة الماسة إلى تنقية الأجواء العربية والتضامن العربي، وذلك من أجل الارتقاء بالعمل العربي المشترك إلى مستوى المسؤولية التاريخية، فالأمن القومي العربي في خطر، بسبب الاحتلال الإسرائيلي، والإرهاب، والتدخل الإيراني في الشؤون العربية، هذه الأضلاع الثلاثة لمثلث الخطر الداهم على الأمن القومي العربي. فإسرائيل لا تزالُ مستمرةً في احتلاها للأراضي العربية في فلسطين وسوريا ولبنان، وتمارس أقسى أنواع الظلم على الشعب الفلسطيني الصامد. لقد أقر مجلسكم الكريم مبادرة السلام العربية عام 2002م، فكسب العرب الرأي العام العالمي، والتعاطف الدولي، والشعوب المحبة للسلام والعدل في كافة أنحاء العالم، وأثبت العرب للعالم أنهم دعاةُ سلام، وأن دولةَ اسرائيل غيرُ مستعدة وغير راغبة في السلام، وهاهي دولة اسرئيل اليوم بعد أن ضاقت بها الحيل، ووقفت ضدها شعوب العالم استنكاراً لجرائمها ومقاطعةً لبضائعها، وأصبحت دولةً منبوذةً تمارس أمام أنظار العالم جرائم الاحتلال والقتل والتدمير والعنصرية، تتحدث عن عدم إمكانية حل الدولتين، ولكنها سوف تفشل في توجهها الجديد، كما فشلت من قبل في رفضها لمبادرة السلام العربية، فالعالم اليوم أصبح أكثرَ وعياً وإدراكاً لما يتعرض له الشعب الفلسطيني من ظلم واضطهاد، فهو الشعب الوحيد الذي لا يزال تحت سلطة الاحتلال، والضمير العالمي لن يقبل بذلك في القرن الواحد والعشرين.
وأكد معاليه أن الإرهاب أصبح خطرا يهدد الدول والمجتمعات العربية يوميا، بفعل محاولاتٍ عدوانيةٍ من قِوى وجماعاتٍ وتنظيماتٍ إرهابية، خاصة تنظيم داعش الإرهابي، للنيل من حقوق الشعب العربي في حياةٍ حرةٍ وكريمةٍ وآمنةٍ ومستقرة، ولتعطيل مسيرة التنمية، وتشويه دين الإسلام العظيم، دين السلام والمحبة والتسامح والتعايش والتعارف بين أبناء البشر جميعاً، الأمر الذي يتطلب من الجميع التصدي لهذا الداء القاتل بكل الوسائل. وفي هذا السياق ندعم مبادرة المملكة العربية السعودية في إنشاء التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب والذي انضمت له حتى الآن 41 دولة عربية وإسلامية، وندعو الدول العربية والإسلامية التي لم تنضم له للانضمام إليه.
واوضح الدكتور مشعل السلمي ان النظام الإيراني أصبح اليوم يمثل تهديدا للأمن القومي العربي، من خلال استمرار احتلاله للجزر الإماراتية الثلاث، وتدخلهِ في الشؤون الداخلية للدول العربية، عن طريق إثارة ونشر وتغذية الصراعات والنزاعات الطائفية، وتكوين ودعم ميليشيات مسلحة هدفها تقويض سلطة الدول الوطنية، وتدريب أفراد هذه الميليشيات، ومدها بالأسلحة، لخلق الأزمات، وإدامة الصراعات، وتفتيت المجتمعات في المنطقة العربية، وتبني سياسات ومواقف عدوانية، وإصدار تصريحات غير مسؤولة، ضد الدول العربية خاصة مملكة البحرين وجمهورية اليمن، تتنافي مع مبادئ القانون الدولي المتمثلة في احترام سيادة واستقلال الدول، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، لقد منعت إيران حجاجها في السنة الماضية من أداء فريضة الحج الركن الخامس من أركان الإسلام وأرادت استغلال هذه الفريضة الإيمانية التعبدية كمناسبَة سياسية، وهذا ما يرفضه كلُ مُسلم على وجه هذه البسيطة تطبيقا لقوله تعالى (فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج)، إن دولة إيران دولة مجاورة للعالم العربي بحكم الجغرافيا والتاريخ، ويرغب العالم العربي في بناء علاقات معها قائمة على حسن الجوار واحترام سيادة الدول، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، ولذلك نطلب من إيران احترام سيادة الدول العربية، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، والتوقف عن تكوين ودعم الميليشيات المسلحة داخل الدول العربية، كما نُطالب جامعة الدول العربية بوجود استراتيجية عربية موحدة للتصدي للتدخلات الإيرانية في الشؤون العربية.
وقال رئيس البرلمان العربي إن هذه الأخطار المحدقة بالعالم العربي تتطلب منا جميعا حكاما ومحكومين، أفرادا وجماعات، مؤسسات حكومية ومدنية، رؤية موحدة أساسها التضامن العربي، والمصير العربي المشترك، للتصدي لهذه الأخطار الجسيمة بإرادة عربية موحدة، تضمن وحدة وسلامة المجتمعات والدول العربية وعدم السماح للدول الإقليمية أو الدول الفاعلة على الساحة الدولية من المساس بأمن ومصالح العالم العربي، وهذا لن يتحقق إلا باستعادة الدول العربية للمبادرة السياسية، وبناء تحالفات عربية تردع كل من تسول له نفسه الاعتداء على أمن الدول العربية أو التدخل في شؤونها الداخلية،
وفي هذا السياق دعم وثمن رئيس البرلمان العربي التحالف العربي لاسترداد الشرعية في دولة اليمن بقيادة المملكة العربية السعودية، والذي أعطى رسالةً واضحةً لدول الجوار الإقليمي وللدول الفاعلة على الساحة الدولية أن العالم العربي قادر على حماية الأمن القومي العربي والتصدي لمخططات هدم الدول وزعزعة أمن واستقرار المجتمعات العربية. كما ثمن ما تقوم به دول جوار ليبيا (مصر والجزائر وتونس) من جهود للحفاظ على وحدة وسيادة ليبيا ودعم وتشجيع الحوار السياسي بين الأشقاء في ليبيا للوصول إلى حل سياسي للأزمة الليبية. كما أكد على أهمية التكامل الاقتصادي بين الدول العربية بما يسمح بتبادل رؤوس الأموال والسلع، وصولا إلى بناء سوق عربية مشتركة، وأهمية تحقيق التنمية بمفهومها الشامل والمستدام، وتقوية وتمتين وتعزيز التواصل بين العرب، خاصة شريحة الشباب، وبناء إعلام عربي يركز على قضايا العرب الكبرى والاستراتيجية.