"محمود" احترف تزوير المحررات الرسمية بالمحلة الكبرى وحقق مبالغ مالية ضخمة
تزوير المحررات الرسمية أو العرفية هى وسيلة لجأ إليها محترفو الإجرام ووجدوا ضالتهم فى شخص يبحث عن محرر مزور يستخدمه للحصول على حقوق غير مشروعة، فهى علاقة تبادلية نشأت بين مجرم راغب للثراء، ومحتال راغب فى الحصول على حق غير قانونى.
"ختم النسر" كان الإيقونة التى ساعدت "محمود.ح" 36 سنة عامل، على ممارسة نشاطه فى تزوير المحررات الرسمية والعرفية، فبعد أن استطاع تقليد 5 أختام خاصة بشعار الجمهورية، أصبحت تلك الأختام بمثابة "خاتم سليمان" الذى فتح له الطريق نحو توسيع نشاطه وتزوير مئات بل آلاف الأوراق الرسمية، ليجنى مبالغ مالية ضخمة جراء نشاطه غير المشروع.
فتح "محمود" مكتب بمدينة المحلة الكبرى تحت ستار مكتب خدمات عامة، وأخذ يستقبل طلبات المواطنين من راغبى الحصول على المحررات المزورة، واستغل براعته فى التزوير والرسم فى نسخ مئات الأوراق المزورة، والتى تنوعت ما بين خطابات تعيين منسوب صدورها للوزارات المختلفة، وعقود إيجار وشهادات تخرج جامعية وجوازات سفر وبطاقات رقم قومى، وتقارير طبية منسوب صدورها لمستشفيات عامة.
استمر نشاط "محمود" فى التوسع إلى أن بدأت أجهزة الأمن تراقب نشاطه، وتمكنت فى نهاية المطاف من الإيقاع به، وبمداهمة مكتبه عثر بداخله على كمية كبيرة من الأوراق بيضاء خالية البيانات تحمل أختام شعار الدولة المُقلد منسوب للعديد من الجهات الحكومية ونماذج عديدة لخاتم شعار الدولة المُقلد مُعد لاستخدامه فى تزوير المستندات والمحررات الرسمية المنسوب صدورها لجهات حكومية مختلفة.
عصابة بلغارية احترفت سرقة أموال بطاقات عملاء البنوك
لم تتوقف حيل العصابات عند تقليد تزوير المحررات الرسمية، بل تخطتها لتواكب التطورات التى شهدها السوق النقدى، وطريقة تداول العملات، فقرروا الاستيلاء على أموال عملاء البنوك، عن طريق تزوير بطاقات الائتمان الخاصة بهم، وهذا ما فعله بالتحديد "ميلكو.ف" 45 سنة بلغارى الجنسية، وعصابته المكونة من 4 آخرين من جنسيته، والذين استولوا على ملايين الجنيهات من أموال عملاء البنوك بتلك الطريقة.
ثبت "ميلكو" وعصابته واجهة بلاستيكية بها جهاز ناسخ لبيانات البطاقات (الأسكيمر)، ملحق به كاميرا دقيقة، على بعض ماكينات الصراف الآلى المنتشرة بعدد من الأحياء الراقية بالقاهرة والجيزة، ما مكنهم من الحصول على بيانات بطاقات الائتمان والأرقام السرية الخاصة بعملاء البنوك وأعادوا تلقين البيانات على بطاقات بلاستيكية أخرى واستخدموها فى سحب أموال ضخمة من حسابات العملاء تجاوزت الثلاثة ملايين جنيه.
عدم قدرة الموظف على كشف التزوير وضعف تأمين الأوراق الرسمية سهل اختراقها
يقول اللواء "نجاح فوزى" مدير إدارة مباحث الأموال العامة الأسبق، إن مشكلة تزوير المحررات الرسمية تكمن فى عدم قدرة موظفى الحكومة على التفريق بين المستند السليم والمزور، على الرغم من مرور "ختم شعار الجمهورية" بمراحل تطور عديدة خلال 60 سنة وتأمينه بشكل جيد، والمشكلة الثانية التى تساعد المزورين هى ضعف عناصر تأمين الأوراق الخاص بالجهاز الإدارى للدولة فى مختلف المصالح والهيئات الحكومية.
وطالب "فوزى"، بضرورة إعطاء دورات تدريبية للعاملين بالجهاز الإدارى لتدريبهم على كيفية التعرف على المستندات المزورة، مؤكداً ضرورة تحول مصر من الدولة الورقية إلى الدولة الإلكترونية بشكل كامل، معللاً ذلك بأنه سيساعد فى القضاء على العديد من قضايا التزوير، ويسهل على الموظفين التعرف على المستندات والتأكد من مدى صحتها من عدمه.
وكشف "فوزى"، أن أكثر المستندات الرسمية التى يتم تزويرها هى شهادات الميلاد، خاصة فى فترة قيد الأطفال بالمدارس، نظراً لرغبة الآباء فى إلحاق أبنائهم بالمدارس فى سن صغير، إلا أن عناصر تأمين شهادات الميلاد فى الفترة الحالية تم دعمها وتأمينها بشكل جيد يصعب معه التزوير.
وعن تزوير جوازات السفر، يقول "فوزى"، إن الجوازات المصرية مؤمنة بشكل كامل ولا يمكن اختراق عناصر تأمينها بسهولة، وحتى لو تمكنت العصابات من تزوير الجوازات فلن تمر على ضباط الجوازات المدربين تدريبات عالية وعلى كفاءة كبيرة تمكنهم من كشف الجوازات المزورة، خاصة مع دعمهم بأجهزة حديثة تمكنهم من أداء مهام عملهم، موضحاً أن هناك معايير دولية لإصدار جوازات السفر، وكيفية فحصه بطريقة حرفية عالية.
البنوك طورت البطاقات الائتمانية من الشريط الممغنط إلى الشريحة الإلكترونية
وأكد اللواء نجاح فوزى فى حديثه لـ"اليوم السابع"، أن عمليات تزوير البطاقات الائتمانية كانت تتم قديماً نتيجة تحميل البنوك بيانات العملاء على شريط ممغنط مثبت على بطاقات الائتمان، وهو ما مكن العصابات من نسخ تلك البيانات عن طريق زرع جهاز ناسخ داخل ماكينات الصرف، فضلاً عن وضعهم كاميرا وتسليطها على لوحة المفاتيح لكشف الأرقام السرية، بعدها يتم الربط بين البيانات المتاحة وبين الأرقام السرية، ويعيدون تحميل تلك البيانات على كروت جديدة، تمكنهم من سحب أى مبالغ مالية، مشيرًا إلى أن ذلك الأمر انتهى نتيجة تحويل البنوك نظام عمل بطاقات الائتمان من الشريط الممغنط إلى الشريحة الإلكترونية التى لا يمكن نسخ بياناتها.
خبير قانونى: تزوير المحررات العرفية جنحة والرسمية جناية
قانون الإجراءات الجنائية وضع عقوبات رادعة للمزورين ومستخدمى المحررات المزورة، ليكون أداة رادعة لتلك العصابات التى احترفت التزوير وبلغت فيه مبلغاً خطيراً، ويقول "شعبان سعيد" المحامى بالنقض، إنه يجب أن نفرق بين أنواع المحررات المزورة، مشيراً إلى أن القانون فرق فى التعامل بين الأوراق الرسمية والأوراق العرفية المزورة، وأعطى قوة قانونية للأوراق الرسمية، نظراً لقدر الخطورة الناتجة من تزويرها، موضحاً أن المحررات الرسمية هى التى تصدر عن الجهات الحكومية، كشهادات الميلاد أو بطاقات الرقم القومى وجوازات السفر، أو أى أوراق مختومة بختم النسر، أما المحررات العرفية، فهى الأوراق والمستندات المستخدمة بين المواطنين، كالشيكات أو إيصالات الأمانة، أو الإقرارات، والوصاية، وقائمة المنقولات وغيرها.
وأضاف "سعيد"، فى حديثه لـ"اليوم السابع"، أن التزوير كجريمة يتم تكيفها كجنحة وجناية وفقاً لنوع المحرر المزور، موضحاً أن تزوير المحرر العرفى يعد جنحة تتراوح عقوبتها ما بين 24 ساعة وحتى 3 سنوات، ويتم تحديد العقوبة وفقاً لظروف الدعوى، أما تزوير المحررات الرسمية فهو جناية تتراوح عقوبتها ما بين 3 : 15 سنة، وللقاضى الحق فى التخفيف على المتهم، وفقاً لظروفه الخاصة سواء كان مسن أو طالب أو أنه من غير أرباب السوابق، أما عن تهمة استعمال محرر رسمى، فهى حتى تثبت لابد من أن يكون مستخدم المحرر على علم بأنه مزور، وتتحقق متى قدم المحرر المزور إلى جهة رسمية بقصد استخدامه.