نعم نجحنا فى 30 يونيو 2013 - التى نحتفل بذكراها هذه الأيام- فى إسقاط حكم الإخوان، واعتقدنا جميعا أنه من الممكن أن نعيد الزمن الجميل للشارع المصرى والشخصية المصرية، ولكن خاب ظننا جميعا لأن الانهيار الذى ضرب البلاد والعباد بعد إسقاط مبارك، كان قد أصبح جزءا أصيلا فى الشخصية المصرية، وتحولت لغتنا الجميلة إلى أسوأ لغة حوارية بين جميع أفراد المجتمع، وأصبحت لغة «القلش»، كما يقولها بعض الشباب الآن، هى سيد الموقف، وأصبح نموذج البلطجى هو السائد، وأصبحت أغنية «معلهش يا زهر» وأغانى أوكا وأورتيجا وشحتة هى الفن الجميل فى زمن الانحطاط الكلى، واختفت إلى الأبد القوى الناعمة، السينما والمسرح وكل الفنون، التى غزونا بها العالم منذ أول يوم خرجنا فيه للشارع بلغة السب والقذف والحجارة والمولوتوف والخرطوش، وتوهمنا أننا صنعنا ثورات سليمة وهى الكذبة الكبرى التى ما زلنا نعيشها حتى الآن.
إذن علينا أن نعترف بأنه بعد 25 يناير 2011 و30 يونيو 2013 اعتقدنا أن الشارع المصرى ربما سيتغير إلى الأفضل، وهو ما لم يحدث، فحتى الآن الظاهر منا هو الأسوأ، وفقدنا الأمل فى إعادة الشخصية المصرية إلى ما قبل يناير أو بعد يونيو، وظهر على الساحة الآن شخصية جديدة أصبحت هى البريمو فى الشارع المصرى، وهى شخصية البلطجى التى تأخذ حقها بنفسها، فظهر عبده موتة فى السينما، وحبيشة فى ابن حلال، وناصر ورفاعى فى الأسطورة، وتكررت هذه النماذج فى أغلب الأعمال الدرامية مثل، الصياد والقيصر، الكل سعى إلى إظهار البلطجى على أنه المنقذ فى زمن إنهارت فيه كل القيم، وتفنن صناع الدراما فى استخدام أسوأ لغة حوارية فى أعمالهم، ناقلين ما يجرى فى الشارع المصرى الآن من لغة منحطة، لغة كل مفرداتها تعكس الانهيار الأخلاقى والثقافى والدينى، لدرجة أنك لا تستطيع أن تستكمل أى حوار مع هذه الشخصية أو حتى تسمعها، لغة انتشرت بعد هوجة يناير، وتأصلت بعد أحداث يونيو، وظهر ذلك مع الباعة الجائلين وأطفال الشوارع وسائقى التوك توك والميكروباص، «شياطين الأسفلت»، وأصحاب أسوأ لغة عرفتها مصر، وأغلب هؤلاء إما أنهم مسجلون أو بلطجية بالفطرة، وأغلب هؤلاء وراء رفع الأسعار، فهم أول من يبادرون برفع أجرة الركاب حتى ولو لم يصدر قرار برفع سعر البنزين أو السولار.
هؤلاء جميعا شكلوا منذ 5 سنوات الشخصية المصرية الجديدة بكل تفاصيلها ولغتها، ويبدو أن مؤلفى الدراما، وبعد نجاح فيلم الألمانى الذى أظهر هذه النوعية من الشخصية المصرية، بدأوا فى نحت شخصيات أخرى من هذا الانحطاط، وعلى مدى 5 أعوام وبعد يناير 2011 والمشاهد المصرى مبتلى بمثل هذه النوعية من الشخصيات الشاذة، التى فرضت كل مفرداتها على الشارع المصرى ووصولها للذروة بعد هوجة يناير وحتى الآن، فإن بطل الشارع هو نوعية «الألمانى» و«عبده موتة» و«صرصار» و«ناصر ورفاعى الأسطورة» وغيرهم من بلطجية هذه الهوجة، التى انتقلت من الشارع إلى استديوهات التلفاز والسينما، ولم يعد هناك مسلسل رمضانى واحد بدون هذه التيمة، وهذه الشخصية التى أصبحت مقررة على المشاهد المصرى لمدة 30 يوما، وللعام الخامس على التوالى تفرض شخصية البلطجى نفسها على الدراما الرمضانية، وهى العادة التى لم تنقطع منذ 11 يناير 2011 التى أفرزت أسوأ ما فينا، وقضت نهائيا على أجمل ما فينا، ويبدو أن مؤلفى الدراما التليفزيونية وقبلهم السينما لم يعد أمامهم إلا نموذج البلطجى، ليكون هو البطل الأوحد فى أعمالهم الدرامية، لهذا لم أتعجب من ظهور مثل هذه الشخصية فى دراما رمضان 2016 وأعتقد أنها مستمرة لسنوات طويلة، ما دامت الفوضى والبلطجة تتفشى فى الشارع المصرى، الذى يستمد منه صناع الدراما كل أعمالهم من هذا الشارع الفوضوى.