نتنياهو فى أفريقيا
بدأ بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء إسرائيل، زيارته إلى أفريقيا، أمس، 4 يوليو، الذى تحل فيه ذكرى مرور أربعين عاما على «عملية عنتيبى»، وهى العملية التى قامت فيها فرقة كوماندوز إسرائيلية بالتوجه إلى أوغندا لتحرير ركاب طائرة قاد اختطافها وديع حداد، أحد القيادات التاريخية لـ«الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين».
كانت الطائرة متجهة من باريس إلى تل أبيب وعلى متنها 248 راكبا منهم 83 إسرائيليا يوم 27 يونيو 1976، ونجح حداد وفريقه فى اختطافها وتوجه «حداد» وفريق الاختطاف بها إلى أوغندا ورئيسها«عيدى أمين»، وهدد بقتل الركاب فى حال عدم تنفيذ مطالب الخاطفين وهى الإفراج عن خمسين فلسطينيا من سجون إسرائيل.
اختار «وديع حداد» التوجه إلى أوغندا بنصيحة من رئيس أفريقى آخر هو «سياد برى»، رئيس الصومال، «وقت أن كانت الصومال دولة»، وحسب كتاب «الصندوق الأسود» للكاتب الصحفى غسان شربل فإن «حداد» كانت علاقته وقتئذ مع «برى» عبارة عن شهر عسل، مما شجعه على عرض فكرة خطف الطائرة على الرئيس الصومالى ليسمح له بالهبوط بالطائرة فى مطار بالصومال، لكن «برى» نصحه بأوغندا، لأن رئيسها عيدى أمين لديه مشاكل كثيرة مع الأوروبيين، وقد يكون مستعدا لاستقبال الطائرة.
توجهت الطائرة إلى أوغندا، وهبطت فى مطار «عنتيبى»، وتابعها وأدارها «حداد» من مكان قريب من المطار، وفى نفس الوقت كانت الحكومة الإسرائيلية برئاسة إسحق رابين تعد العدة لتحرير الرهائن، وفى يوم 4 يوليو هبطت طائرة إسرائيلية فجأة على طرف مدرج المطار، ونزلت منها سيارات جيب عسكرية وسيارة مرسيدس شبيهة بسيارة عيدى أمين، وخرج من السيارات قوات خاصة بقيادة «يونتان نتنياهو»، شقيق رئيس الوزراء الحالى، وبدأوا فى تنفيذ عملية تحرير الرهائن، التى انتهت بقتل الخاطفين وشقيق نتنياهو و45 جنديا أوغنديا، وفيما اعتبرت إسرائيل أن العملية مفخرة لها، بكى وديع حداد بحرقة حين بلغه خبر استشهاد زملائه الذين نفذوها.
تبقى عملية «عنتيبى» واحدة من العناوين التاريخية الكبيرة فى العلاقة بين إسرائيل ودول القارة، وشاهدة على نظرة معظم قادة دول القارة نحو إسرائيل فى زمن حدوثها، فأفريقيا وقتها كانت تنظر إلى إسرائيل بوصفها دولة عنصرية محتلة للأراضى الفلسطينية، وبذلت مصر بقيادة جمال عبدالناصر جهودا جبارة فى إرساء هذه النظرة التى جعلت من دول القارة سندا للقضية الفلسطينية ومصر فى كل المحافل الدولية، كما كانت مصر وقتئذ تعى تماما أن مياه النيل التى تأتينا من أفريقيا لابد أن نحرسها، فهى أمننا القومى الذى لا يجوز التفريط فيه، وبناء على هذه القناعة عمقت مصر علاقتها مع دول حوض النيل، وساندت حركات التحرر الأفريقية التى ناضلت من أجل الاستقلال، ووجدت فى دول القارة سياسيا واقتصاديا وثقافيا.
أدرنا ظهرنا لأفريقيا منذ حكم السادات، وهاهو نتنياهو يذهب إليها الآن، وبالطبع فإن اختياره للدول الأربع التى يزورها وهى إثيوبيا، وكينيا، وأوغندا، ورواندا، ليس وليد الصدفة، فالبعد التاريخى حاضر بقوة من خلال التذكير بعملية مطار عنتيبى، بالإضافة إلى أن الدول الأربع تقع ضمن دول حوض النيل، بما يعنى أن مصر وحالها ليست بعيدة عن الموضوع بأى حال من الأحوال، فالزيارة تأتى فى وقت تقترب فيه إثيوبيا من تحقيق حلمها فى الانتهاء من بناء سد النهضة، بما يشكل ذلك خطرا على حصص مصر من مياه النيل، فهل تقوم إسرائيل بتثبيت أقدامها أكثر من أى وقت مضى فى دول «منبع النيل»، حتى تمتلك أوراقا إضافية للضغط على دولة المصب «مصر»؟
الزيارة ليست عادية، ويجب علينا قراءتها بجدية.