مفاجآت تقرير «القومى لحقوق الإنسان» عن الاختفاء القسرى
التقرير الأخير للمجلس القومى لحقوق الإنسان حول ما يسمى بالاختفاء القسرى فى مصر كشف كثيرًا من الحقائق الموثقة التى كنا نشير إليها بالاستقصاء والتحليل، فترتفع ضدنا الأصوات المنكرة والأصوات المأجورة بأننا ضد حقوق الإنسان تارة، وأننا ندعو إلى الدولة القمعية الشمولية تارة أخرى، وأولى هذه الحقائق التى كشفها تقرير المجلس، أن معظم البلاغات التى وردت من داخل وخارج مصر عن حالات اختفاء قسرى كانت مجهلة ومرسلة وتفتقد الحد الأدنى من المعلومات التى تجعلها ترقى إلى مستوى البلاغ وأن يتم التحقيق فيها، ولذلك تم استبعادها وإهمالها، فليس هناك معنى أن تتهم جماعة أو جهة مجهولة أجهزة الأمن بالمسؤولية عن اختفاء ستة أشخاص فى البحيرة، وعشرة فى الشرقية واثنين فى قنا، دون أن تقول لنا من هؤلاء الستة أو العشرة أو الاثنين وكم أعمارهم، وأين يسكنون، وماذا يعملون، باختصار أن يكون للشخص موضوع البلاغ وجود حقيقى وليس وجودا افتراضيا لمجرد إثارة البلبلة ونشر الشائعات.
الحقيقة الثانية المهمة فى تقرير المجلس القومى لحقوق الإنسان، أن معظم البلاغات حول وجود حالات اختفاء قسرى منذ العام 2014 كانت من منظمتين حقوقيتين مقرهما فى لندن، الأولى تنتحل صفة المنظمة العربية لحقوق الإنسان، وقد أصدرت المنظمة العربية أكثر من بيان يفضح انتحالها الصفة وتتبرأ منها، وقدمت شكوى بذلك للحكومة البريطانية ولكن دون جدوى، والمنظمة اللندنية الأخرى وهمية أيضا وتم اكتشاف صلات بينها وبين التنظيم الدولى لجماعة الإخوان الإرهابية ومقره النشيط فى «كريكل وود» شمال لندن والمنفتح كما يعلم القاصى والدانى على المخابرات البريطانية إم آى 6.
الغريب والمريب أن هاتين المنظمتين الوهميتين المزيفتين أرسلت عديدا من البلاغات التى تفتقر إلى المعلومات الأساسية ويغلب عليها الكيدية إلى الإدارة المعنية بجرائم الاختفاء القسرى بالمجلس الدولى لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، والأغرب، بحسب تقرير «القومى المصرى لحقوق الإنسان»، أن المجلس الدولى تغاضى عن الشروط والمعايير التى وضعها حتى تتوافر لبلاغات الاختفاء القسرى صفة الجدية، وحول البلاغات المرسلة الكيدية لهاتين المنظمتين الوهميتين إلى الحكومة المصرية للتحقيق فيما تدعيانه من وجود حالات اختفاء قسرى بالعشرات فى المحافظات المصرية.
الحقيقة الثالثة التى يوردها تقرير «القومى لحقوق الإنسان»، تتعلق بالخلط بين المحتجزين فى السجون على ذمة قضايا أو المضبوطين من عناصر الإخوان، والمختفين قسريا، وشتان بين الحالتين، فالمحتجزون على ذمة قضايا يتم التحقيق معهم واحتجازهم بمعرفة النيابة المختصة وفق القانون، وأعضاء الجماعات الإرهابية ومنها الإخوان ممن يتم ضبطهم يتم التحقيق معهم فى الجهات المعنية بمعرفة النيابة المختصة قبل أن يتم الإعلان عن الجهة التى يحاكمون أمامها، وأحيانًا ما تقتضى خطورة بعض العناصر الإبقاء على احتجازهم دون إعلان لعدة أيام حتى يتم اتخاذ تدابير أمنية وقائية، ثم يجرى الإعلان عن هؤلاء المتهمين والتهم الموجهة لهم والجهة التى يحاكمون أمامها، أما المختفون قسريا فعادة لا يظهرون ولا تتبنى أى جهة احتجازهم أو المسؤولية عن اختفائهم.
كم تمنيت أن يخرج أصحاب الدكاكين والشركات الحقوقية وعيال السفارات الأمريكية والأوروبية ممن يتلقون الاعتمادات لتدبيج التقارير، التفصيل عن الاختفاء القسرى وتعسف الشرطة والدولة القمعية وإغلاق المجال السياسى وغيرها من تلك الموضوعات «البزرميط» التى لا تساوى قيمة الورق الذى كتبت عليه، تمنيت أن يخرجوا ليردوا على تقرير «القومى لحقوق الإنسان» حول هذه القضية تحديدًا، لكن يبدو أن البطحة على رؤوسهم كبيرة لدرجة اختفائهم طوعيا حتى تمر الموجة الكاشفة لتقرير المجلس القومى، واختيارهم الصمت التام حتى ينسى الناس التقرير وما يكشفه، حتى يتسنى لهم تجاوزه واللعب من جديد على نشر الشائعات المخابراتية، وإدارة الحرب النفسية ضد المصريين وضد الدولة المستقرة، وهنا لا يسعنا إلا القول: يا حقوق الإنسان.. كم من الجرائم والخطايا ترتكب باسمك!