الثلاثاء، 26 نوفمبر 2024 11:16 ص
عبد الفتاح عبد المنعم

عبد الفتاح عبد المنعم

لماذا سقطت الأندلس؟ «2»

7/7/2016 3:29:07 PM
تقاعس كثير من العلماء عن دورهم الدعوى والإصلاحى
هناك العديد من الأسباب التى رصدها الدكتور خالد الخالدى، وكانت وراء انهيار الحكم العربى والإسلامى فى الأندلس رغم الوجود الذى استمر أكثر من 800 عاما كانت قرطبة وغرناطة وإشبيلية وغيرها من المدن الأندلسية منارة للعالم كله، وحدد الدكتور الخالدى خمسة أسباب وراء السقوط الكبير للحكم العربى فى الأندلس، حيث يقول الدكتور الخالدى فى دراسته هناك عشرات الأسباب وراء هذا الانهيار والسقوط ويمكن اختصار الإجابة عن هذا السؤال الصعب فى عدة نقاط هى..
أولاً: الانحراف عن شرع الله تعالى ومنهجه الإسلامى الصحيحة، فقد شاع فيها شرب الخمر، حتى إنه لم تُقَم الحدود على شاربيه، كما انتشر اللهو والغناء والطرب والموسيقى والجوارى، وكان الأمراء يتنافسون فى تقريب المغنين والمغنيات، ويبنون لهم قصورًا قرب قصورهم، ويقيمون لهم المدارس لتعليم الغناء والموسيقى، فى الوقت الذى كانت فيه المدن الأندلسية تتساقط وأهلها يُقتلون، ونساؤها يُسبين.

ثانيًاً: الترف: أصاب الترف أهل الأندلس وحكامها، فبالغوا فى الإنفاق على المسكن والملبس والمأكل، وشغلهم ذلك عن الدفاع عن أرضهم وعرضهم، فهانوا على عدوهم. ويؤكد ابن خلدون أن الترف من أهم أسباب سقوط الدول، لأنه يؤدى إلى حب الدنيا والتمسك بالحياة، والعزوف عن الجهاد، ومن يحرص على الحياة لا يدافع عن أرض أو عرض أو دين أو كرامة، فتضيع أرضه وتسقط دولته.

يُروى أن ألفونسو ملك الأسبان إنه قال لرسول ابن عباد إليه: «كيف أترك قومًا مجَّانين، تَسَمّى كلُّ واحدٍ منهم باسم خلفائهم وملوكهم وأمرائهم المعتضد والمعتمد والمعتصم والمتوكل والمستعين والمقتدر والأمين والمأمون، وكل واحد منهم لا يَسُلُّ فى الذّبِّ عن نفسه سيفًا، ولا يرفع عن رعيته ضيمًا ولا حيفًا، قد أظهروا الفسوق والعصيان واعتكفوا على المغانى والعيدان؟».

ويُروى أن وزيرًا دخل على أحد ملوك الطوائف فوجده حزينًا مغضبًا، فظنَّ أنه غاضب بسبب ما حلَّ بالدويلة المسلمة المجاورة له التى احتلها النصارى فقتلوا رجالها وسبوا نساءها، فقال له: ليس ذلك ما يغضبنى، بل المهندس المكلف ببناء قصرى الذى لا يلتزم بأمرى.

ثالثًا: موالاة أعداء الأمة من الصليبيين، وإحسان الظن بهم؛ فقد أقام حكام الأندلس فى عهد الطوائف علاقات حسنة مع الصليبيين، وجاملوهم واستعانوا بهم بعضهم على بعض، ووثقوا بعهودهم. والأمثلة على ذلك كثيرة نذكر منهاً: أن ابن رزين حسام الدولة صاحب شنتمرية حمل الهدايا النفيسة وتوجه بها إلى الملك الإسبانى ألفونسو ليهنئه على احتلاله لطليطلة، فجازاه ألفونسو بإعطائه قردًا، احتقارًا له، لكن حسام الدولة عدَّ ذلك مفخرة له.
رابعًاً: التنازع بين المسلمين على الدنيا، حيث دبَّ النزاع بين مسلمى الأندلس على الدنيا منذ وقت مبكر، فتنازع العرب والبربر، وتنازع اليمانية والقيسية، وتنازع الأشقاء والأقارب على المناصب، وقد أضعف ذلك الصف الإسلامى، وأريقت دماء غزيرة، وقتل من المسلمين فى صراعهم الداخلى أضعاف أضعاف ما خسروه فى فتح الأندلس وفى صد هجمات النصارى عليها.

وكانت أسباب هذه النزاعات دائمًا تافهة، فمثلاً وقعت فتنة مدمرة بين اليمانية والقيسية سنة 207هـ فى عهد عبدالرحمن الأوسط، سببها أن مضريًّا انتزع ورقة دالية من جنان يمانى فقتله اليمانى، واستمرت الفتنة التى حاولت السلطة إخمادها سبع سنوات، وسقط فيها آلاف القتلى من المسلمين.

خامسًاً: تقاعس كثير من العلماء عن دورهم الدعوى والجهادى والإصلاحى، فقد اشتغل كثير منهم فى المسائل الخلافية، ولم يأمروا بالمعروف ولم ينهوا عن المنكر، بل إن كثيرًا منهم قد مدحوا الحكام وأثنوا عليهم وتغاضوا عن عيوبهم، وشاركوا فى المنكرات، يقول ابن حزم فى وصف هؤلاء العلماء: «ولا يغرنكم الفساق والمنتسبون إلى الفقه، اللابسون جلود الضأن على قلوب السباع، المزينون لأهل الشر شرهم، الناصرون لهم على فسقهم»، تلكم بعض أهم أسباب سقوط الأندلس، وعلى من يريد أن يحفظ نفسه أو حزبه أو دولته من السقوط أن يعيها، ويتجنب كل أسباب السقوط.. وللحديث بقية غداً إن شاء الله

print