الأهم الآن من سرد وقائع محاولات الانقلاب العسكرى فى تركيا على رئيسها «رجب طيب أردوغان» وفشله هو محاولة الاقتراب من الإجابة على سؤال: وماذا بعد؟، هل سيكون أردوغان كما كان من قبل؟ وأى مصير سياسى ينتظره؟ وماذا عن تأثير الحدث على الوضع الإقليمى لتركيا؟.
هذه الأسئلة وغيرها هى الأهم، وليس الاكتفاء بالشماتة فى «أردوغان» بالرغم من أنه يستحق أن نصب عليه لعناتنا لمواقفه المخزية نحو مصر، ودوره الرئيسى فى الأزمة السورية، التى أدت إلى تمزيق بلد عبر مساندته للتنظيمات الإرهابية بفتح حدود بلاده لعبور الإرهابيين من شتى بقاع الأرض إلى سوريا.
حدث محاولة الانقلاب لم يكن مجرد مجموعة من العسكريين دبروه ونفذوه، فبين قادته قائد القوات البرية وقائد القوات الجوية، وطبقا للمعلومات التى توفرت حتى ظهر أمس السبت، بلغ عدد المعتقلين من قوات الجيش ما يقرب من 2900، واعتقال 467 طالبا فى إحدى الكليات العسكرية وعدد القتلى يزيد على مائة، وهناك إجراءات أخرى، واعتقال 100 عسكرى فى قاعدة ديار بكر، وعزل خمسة من أعضاء المحكمة العليا التركية، وفرار 8 عسكريين إلى اليونان، وطلب لأمريكا بتسليم فتح الله كولن والذى يتهمه أردوغان جماعته منذ فترة بأنها وراء ما يحدث من قلاقل فى تركيا، وبالرغم من إدانة «كولن» للمحاولة الإنقلابية إلا أن ذلك لم يشفع له.
مجمل هذه الأحداث وفى القلب منها مجموعة الإجراءات التى شملت اعتقالات وقتلى وإجراءات أخرى لا يمكن معها التسليم بما رآه أردوغان بأنها الفرصة لـ«تطهير الجيش»، فهى تؤكد أننا أمام حالة سياسية تركية مأزومة، نعم كانت هناك انتخابات ديمقراطية نجح فيها أردوغان رئيسا، ونعم جرت انتخابات برلمانية قبل شهور وشارك فيها نحو %87 ممن يحق لهم التصويت ونجح بالأغلبية حزب العدالة والتنمية الذى أسسه أردوغان وقاده حتى أصبح رئيسا، لكن أن تقود هذه الحالة السياسية بما فيها من ديمقراطية إلى محاولة انقلابية من هذا النوع فنحن أمام وضع مأزوم يستحق أن نجتهد أكثر فى قراءته.
وفى هذه القراءة، سنجد رئيسا ليس كما كان، سنجد خدشا كبيرا فى هيبته محليا وإقليميا ودوليا، سنجد انكماشا فى الدور الإقليمى لتركيا، صحيح أنه بدأ بعد سقوط حكم الإخوان فى مصر بعد 30 يونيو، وهو ما أدى إلى غضب أردوغان ومحاولته لتعويض خسارته فى مصر بمزيد من تعميق جراح سوريا، إلا أن هذا الإنكماش سيتزايد فى الفترة المقبلة فى حال استمرار أردوغان مديرا للعبة السياسية التركية.
سيكون المطلوب من أردوغان الآن أن يسدد فواتير لكل من ساهم فى إفشال الإنقلاب، سنجده أمام وضع داخلى منقسم فأعداد المعتقلين من العسكريين ليس بقليل، وبالتالى فإن الداخل التركى سيكون على لهب لن ينطفئ بسهولة.
تعاملنا مع الحدث يجب أن يقفز من الشكل إلى المضمون، يقفز على حالة فرح الكارهين لأردوغان، ومن حزن المحبين له، علينا أن نقرأ القصة من الزاوية التى تعود علينا بالفائدة، وكيف ستؤثر على الأوضاع فى سوريا والعراق.
وإذا كان هناك من يعتقد بأن الدور التركى سيشهد تراجعا على صعيد الدور الإقليمى، فهل نحن مستعدون للاستفادة منه؟ أم سنترك المجال للقوى الأخرى وفى مقدمتها إسرائيل وإيران؟ الأسئلة كثيرة وتحمل فى مجملها قلق كبير على المستقبل الذى لن نكون بعيدين عنه بأى حال من الأحوال، وإذا لم ننتبه سندفع الثمن.