خطوة صحيحة تعبر عن وعى سياسى كبير
شارك المهندس إبراهيم محلب فى القمة الأفريقية برواندا، ضمن الوفد المصرى برئاسة الرئيس عبدالفتاح السيسى.
«محلب» يشغل موقع «مساعد رئيس الجمهورية للمشروعات القومية»، وبناء عليه فإن مشاركته بدت للوهلة الأولى لافتة من ناحية أن الملفات التى تخضع للرجل منذ خروجه من رئاسة الحكومة، وشغله موقع مساعد للرئيس محلية الطابع، ويتابعها بدأب كبير ومعهود عنه، فى حين أن القمة الأفريقية هى سياسية الطابع، وتتعلق بقضايا ذات شأن أفريقى.
غير أنه ومع معرفة الحقيقة فى هذه المسألة، سنتأكد من أننا أمام خطوة صحيحة تمامًا، وتعبر عن وعى سياسى كبير، لأن «محلب» يرتبط بعلاقة شخصية مع الرئيس الرواندى، بول كاجامى.
ووفقًا لتقرير الزميلة وفاء بكرى على صفحات «المصرى اليوم» فى عددها الصادر أمس، فإن العلاقة بدأت منذ أن كان «محلب» رئيسًا لشركة «المقاولون العرب»، ووقتها قامت الشركة بتشييد مبنى وزارة الدفاع الرواندية منذ عدة سنوات، وأن الرئيس الرواندى اجتمع كثيرًا مع «محلب»، وحين جاء السفير إلى القاهرة طلب منه رئيس بلاده أن يجعل أولى مقابلاته مع «محلب» ليعرف منه طبيعة العمل فى القاهرة، ويبدأ فى تكوين العلاقات الدبلوماسية بناء على نصائح «صديقه المصرى». وأكدت «بكرى» أن مبنى وزارة الدفاع الذى شيدته «المقاولون العرب» هو «الأهم لديهم والأكثر جمالًا»، وأفاضت بمعلومات قيمة حوله.
تعبر هذه القصة عن «احترافية» سياسية مصرية، فالعلاقات الشخصية بين القادة مدخل مهم للعلاقات السياسية، وهناك مئات الحكايات التى تؤكد ذلك، كما أن فهم الخصائص الشخصية للحكام تقود إلى فك شفرات تساعد على حل الكثير من القضايا، وفى كتاب «أحاديث من آسيا» للكاتب الصحفى محمد حسنين هيكل، نعرف مثلًا كيف استعانت الإدارة الأمريكية بالمفكر والأديب الفرنسى أندريه مالرو، وزير الثقافة، مع شارل ديجول، حين بدأت خطواتها نحو إقامة علاقات مع الصين فى مطلع سبعينيات القرن الماضى، ولأن «مالرو» قضى حياته فى دراسة الصين بماضيها وحاضرها، سألوه عن طبيعة الشخصية الصينية، وما يمكن فعله لكسبها.
وفى ماضينا القريب سنجد مثلًا عشرات الحكايات عن علاقات شخصية نمت بين سياسيين مصريين وقادة أفارقة، ويتصدر هؤلاء محمد فايق، رئيس المجلس القومى لحقوق الإنسان، منذ أن كان مسؤولا عن الدائرة الأفريقية فى رئاسة الجمهورية، خلال حكم الرئيس جمال عبدالناصر، وهناك حلمى شعراوى الذى يعد واحدًا من الخبراء المعدودين المصريين فى الشأن الأفريقى، وله علاقات طيبة مع سياسيين وباحثين أفارقة.
وعلى الصعيد العربى مثلًا، سنجد وقائع كثيرة فى هذا المجال، ففى ثمانينيات القرن الماضى، ومع بدء حكم الرئيس مبارك بعد اغتيال السادات «6 أكتوبر 1981»، استعانت الأجهزة المصرية بمسؤولين أيام حكم الرئيس جمال عبدالناصر ليقوموا بتهيئة الأجواء مع القادة العرب لعودة العلاقات العربية مع مصر، والتى تأثرت بسبب اتفاقية كامب ديفيد 1979، وسفر السادات إلى إسرائيل 1977، وفى هذا السياق لعب الكاتب الراحل سعد الدين وهبة دورًا فى تهيئة الأجواء لعودة العلاقات بين مصر وسوريا بسبب العلاقات الشخصية التى ربطته بالرئيس السورى الراحل حافظ الأسد.
بالطبع فإن هذه العلاقات لا تتم خارج السياقات السياسية التى تجمع مصر بغيرها من الدول، وبالطبع فإنها تتأثر على صعيد التواصل فى حال كانت هناك خلافات سياسية عامة، غير أن الحفاظ عليها واستدعاءها للمصلحة العامة وقت اللزوم هو أمر ضرورى، ويعبر عن مهارة سياسية واحترافية كبيرة، كما حدث مع «محلب».