ألتمس كل العذر للرئيس التركى، رجب طيب أردوغان، فيما يفعله الآن من تصرفات، وفيما يشيعه من أكاذيب، فيبدو حال الرجل كمن تلقى مائة صفعة على حين غرة، ولهذا تراه يروح ويجىء، يهذى ويسب، يلعن ويبرطم، فغرور هذا الشخص المتضخم كفيل بأن يجعله يشك فى كل من حوله، غير مقتنع بأن هناك حالة غضب عارمة ضده فى قطاعات عريضة فى الشعب والجيش التركيين، بينما هو يعتبر أن كل الأزمة تكمن فى الـ«56734» الذين يجتمعون فى الحارة المزنوقة مثل سابقه مرسى.
لا يفهم أردوغان أن اليأس الذى دفع الضباط الذين انقلبوا عليه يمس قطاعات عريضة من أفراد القوات المسلحة التركية، وبالمناسبة فإنى لا أقتنع مطلقا بأن الجيش التركى كله قد استجاب للرئيس التركى فى ندائه لإجهاض الانقلاب، ولكنه استجاب إلى نداء المحافظة على الوطن، فقادة الانقلاب فى اعتقادى لم ينسقوا بين كل أفرع وقطاعات الجيش التركى، ولهذا ارتعشت قبضة الضباط المشاركين فى الانقلاب، وفلت الأمر من بين يديهم، ولهذا تحرك الجيش التركى لإجهاض الانقلاب، بعد يقينه بأن مصيره الفشل، وأن التأخر فى إجهاضه يعنى نشوب حرب أهلية ما بين ميليشيات أردوغان المسماة بالقوات الخاصة، ومناصرى أردوغان باللباس المدنى من ناحية وجنود الانقلاب من ناحية أخرى.
لا يفهم أردوغان أنه يحفر قبره بيده، وأنه يخذل أتباعه ومناصريه قبل أن يشمت فيه خصومه، فإنى على اعتقاد راسخ بأن لسان حال الشعب التركى الآن، بعد منع الملايين من السفر، واعتقال عشرات الآلاف، وعزل أضعافهم من وظائهم، هو «ولا يوم من أيامك يا انقلاب»، فلم يكن أقسى الانقلابات وأكثرها تعسفا ليفعل ما يفعله الآن الرئيس التركى، رجب طيب أردوغان، الذى وجد فى فشل الانقلاب فرصة سانحة ليصفى خصومه، ويذبح القطة لبقية الشعب التركى، وليمد يديه إلى داخل البيوت والعقول مهدما كل الأعراف والمواثيق الدولية.
لا يفهم أردوغان أن هجومه المستمر على القيادة المصرية لا يزيده إلا احتقارا من قبل جموع المصريين، فهو أيضا لا يفهم وجدان الشعب المصرى الذى تربى على قناعة بأن «أنا وأخويا على ابن عمى»، وأن الشعب المصرى هو صاحب الشرعية الأولى فى إزالة حاكم أو تنصيب آخر، ولو كان لأردوغان عين يرى بها لعرف وتأكد من أن 30 يونيو صناعة شعبية بامتياز، وأن طرد الإخوان من حكم مصر كان أحد أهم القرارات المصيرية فى تاريخنا المعاصر، ولو كان له عين بها يرى لقارن بين ما حدث فى مصر فى 30 يونيو، وما حدث فى تركيا فى 15 يوليو، ليعرف الفرق بين انتفاضة الشعب وانقلاب الجيش، لكن الغرض والمرض مجتمعان هما ما يقودان ذلك الرئيس، الذى أوشكت صلاحيته على الانتهاء.