هذا هو الأخطر من ارتفاع سعر الدولار
لا أعرف السيد طارق عامر محافظ البنك المركزى ولم أقابله أبدا، لكننى فى الحقيقية أجدنى مضطرا إلى الدفاع عنه عقب موجة الهجوم عليه التى أعقبت موجة ارتفاع سعر الدولار، فالرجل مثله مثل أى محافظ فى العالم تتلخص مهام وظيفته فى إدارة المحفظة المالية للدولة، لكن ماذا يفعل هذا المحافظ أو ذاك إذا كانت تلك المحفظة «خاوية».؟
لا يملك طارق عامر ولا غيره يملك أن يضخ مليارات الدولارات فى خزينة الدولة ليوازن سعر الصرف ويحقق استقرارا لسعر الجنيه أمام الدولار الأمريكى، فهو كالطباخ الذى يصنع بـ«الموجود» مائدة طعام، فإن أعطيته لحما طبخه، وإن أعطيته فولا طبخه، وفى هذه النقطة تحديدا، أى نقطة ارتفاع سعر الدولار وليس غيرها من نقاط، أجد طارق عامر مظلوما حيال الهجوم عليه، فيداه مغلولتان، والمطلوب منه أضعاف ما هو متاح له، والأزمة تتضاعف يوميا فى ظل وجود حالة خطيرة من عدم الثقة فى الجنيه وهذا أخطر ما فى الأمر، نعم هذا هو الخطر بعينه، أن يفقد الناس الثقة بالجنيه المصرى، ويبدأ البعض إلى «الاكتناز» والاكتناز مصطلح اقتصادى قديم ظهر فى العالم الإسلامى عامة ومصر خاصة وقت التعامل بالعملات المعدنية من ذهب وفضة، وفى وقت الاضطرابات الاقتصادية كانت الدولة تلجأ إلى الغش فى ضرب العملة، فتزيد الذهب نحاسا والفضة قصديرا لكى تضاعف حصيلتها وتفى بمتطلباتها، وهو ما يحدث الآن حيال الدولار.
ندرة الدولار وتذبذب سعره أدى إلى مضاعفات خطيرة منها أن هناك الكثير من رجال الأعمال أصبحوا يبرمون صفقاتهم بالدولار وليس بالجنيه، وفى هذا تدمير كبير للاقتصاد الوطنى وإنعاش غير مسبوق للدولار، باعتباره العملة ذات المصداقية الحقيقية، ولك أنه لو أبرم أحد الاقتصاديين صفقة ما قبل شهرين بالجنيه المصرى، وكانت هذه الصفقة بعشرة ملايين جنيه، فحصل عليها فى صورة مليون دولار، ودون أن يحدث أى شىء أو يتعب فى شىء وجد أن هذا المليون دولار أصبح 12 مليون جنيه بعد أن كان بـ10 فقط، فهل سيتعامل مرة أخرى بالجنيه؟
انهيار سعر الجنيه فى حاجة ماسة إلى معالجة عاجلة، أهمها الضرب بيد من حديد على المضاربين فى سعر الدولار ومكافحة ظاهرة الاكتناز وضبط الأسواق ضبطا حازما، والسعى لإعادة السياحة بكل قوة وتنفيذ المتطلبات الأمنية التى تطلبها الدول التى فرضت الحظر السياحى على مصر، وإيجاد تسوية نهائية للقضايا التى أحدثت شرخا بين مصر ودول الاتحاد الأوربى ووضع التصنيع على أعلى سلم أولويات الدولة، واتخاذ خطوات جادة من أجل تقليل الفارق بين السعر الرسمى والسعر الحقيقى، باختصار نحتاج إلى ثورة فى الأداء الحكومى، واعتبار هذه الثورة أمرا حيويا أو «أمن قومى»، وإلا فالعاقبة ستكون أبشع.