محمد الدسوقى رشدى
1 - ربما تكمن أزمة الوضع المصرى هنا، وهنا تعبر عن نقطة، والنقطة المقصودة هى تلك الحالة الفائرة التى نعيشها منذ 25 يناير 2011 وحتى الآن، دوامة نلهث بداخلها جميعا بين صراعات اقتصادية وسياسية ومفاجآت اجتماعية وتصفية حسابات، دون أن نفكر ولو للحظة واحدة أننا فى حاجة لالتقاط الأنفاس.
نحتاج إلى وقفة حقيقية للتفكير والهدوء بعيدًا عن تأثيرات معسكرات الاستقطاب المتنافرة والمتناحرة والمتقاتلة سياسيًا، نحتاج إلى وقفة نبتغى منها مستقبل هذا الوطن ووجه رب هذا الوطن، نفكر لمصر لا غيرها، نفكر لمستقبلها قبل حاضرها، ربما وقتها ندرك الفارق الكبير بين مانحلم بوجوده، وبين مايسمح الواقع بتحقيقه.
يطلب منا المسؤولون عن إدارة شؤون هذا الوطن المزيد من الصبر، وإن كان على الصبر فلقد اعتدناه واعتادنا حتى جعلنا منه لوحة تزين حوائطنا «الصبر مفتاح الفرج»، ولكن الخوف كل الخوف من مرحلة ما بعد الصبر.
طفولتنا انتهت وانتهت معها مرحلة اليقين بأن هناك عصا سحرية قادرة على حل كل المشاكل وصناعة المعجزات، مصر لن تصبح سويسرا فى سنة أو خمس أو حتى 10 سنوات، والسياسيون لن يتطوروا فى ليلة وضحاها، نعلم ذلك وننتظر ما هو أقل، ننتظر فقط أن يتعلم الوزراء والمحافظون والمسؤولون والنواب والمعارضون دروس أخطاء من سبقوهم، ننتظر أداءً مختلفًا يوحى لنا بأن من بعد صبرنا قد يأتى فرج.
2 - س: هل تذكر برنامجًا رياضيًا واحدًا لم يردح ضيوفه وهم يحللون ظاهرة: «ليه نفس اللاعب المصرى قصير؟».
ج: لا أذكر أن مذيعًا لبرنامج رياضى، أنهى حلقته دون أن يناقش تلك القضية بعد الهزيمة من الجزائر أو البرازيل أو أمريكا، أو الخروج من بطولة أفريقيا، أو هزيمة منتخب اليد فى آخر دقيقتين، ولكن أذكر جيدًا أن كل البرامج السياسية لم تقترب أبدًا من طرح السؤال بصيغته المناسبة: ليه السياسى المصرى نفسه قصير؟ أو بمعنى أصح، لماذا يبدأ المظاهرات والثورات ويفشل فى إنهائها لصالحه؟ لماذا يؤسس لحركات سياسية وأحزاب ثم تموت قبل أن تتعلم الحبو، أو يعرفها 10 أشخاص فى الشارع؟ إن كنت تريد إجابات تعال نذهب إلى مستر فرودو!!..
3 - فى السنوات الأخيرة أنتجت أمريكا فيلمًا سينمائيًا حقق نجاحًا كبيرًا، وحمل عنوان سيد الخواتم، أو مملكة الخواتم «The Lord of the Rings» والفيلم الذى قدمته هوليود فى ثلاثة أجزاء، مأخوذ عن رواية بنفس الاسم للكاتب البريطانى «ج. ر. تولكين»، ومن بين مجموعة الأبطال الرئيسية فى الفيلم، توجد شخصية «مستر فرودو» الهوبيت الصغير الذى أخذ على عاتقه تنفيذ أصعب مهمة فى الفيلم، وهى تدمير الخاتم مصدر الشر، «فرودو» الشجاع انطلق فى رحلته القاسية بشجاعة، تحامل على نفسه وسار فى طريق وعرة وسط مطاردات من «الأوراكس»، وأتباع «ساورون» الشرير، وهو لا يرى سوى هدف واحد فقط تدمير الخاتم مصدر الشر، قاوم مستر «فرودو» إغراءات سلطة الخاتم، التى سقط فى فخها الكبار، تجاهل إغراءات السلطة وفكر فقط فى المصلحة الكبرى للإنسانية وللمملكة، ولكن لحظة الضعف زارته وخضع أمام سلطة الخاتم حينما وصل إلى عين الشر، أو المحطة الأخيرة التى يجب أن يسقط فيها الخاتم لكى يتم تدميره تمامًا. كل الرحلة الصعبة لم تشفع لـ«فرودو» الطيب، كما لم تشفع له نواياه وسقط فى فخ إغراءات الخاتم، وأغوته سلطة الخاتم، وبدلًا من تدميره قام بارتدائه، ولولا طمع «سمايغل» الشرير فى الخاتم، وانقضاضه على «فرودو» وقطع إصبعه، ماكان الخاتم قد سقط فى الحمم البركانية وما كانت مهمة «فرودو» قد نجحت.
4 - أنت تسأل وهذا حقك.. س: ما علاقة فرودو وسيد الخواتم والأفلام، وكل هذا الرغى السينمائى بالحكومة والمسؤولين والنخبة السياسية فى مصر؟
ج: كلهم «فرودو» يا سيدى، كلهم «فرودو»، كلهم بدأوا المسيرة بهمة تحت شعار تحقيق هدف مصلحة المجتمع، ولكنهم استسلموا لدوامة الاستقطاب فلم يعد أحد منهم يقبل بدعم السلطة إن أصابت وأنجزت، ولم يعد أحد من أنصار السلطة يقبل بانتقادها إن أخطأت أو تجاوزت.
الشباب هتفوا عقب 25 يناير عيش حرية عدالة اجتماعية، وحينما اقتربوا من الكراسى فى الوزارات أو الفضائيات جلسوا وصمتوا، الإخوان هتفوا النهضة، ونحمل الخير لمصر، وحينما جلسوا على الكرسى، ارتدوا خاتم الشر، ولم نرَ من كفوفهم سوى الشتائم والتكفير والفشل ورغبة الاستحواذ، جبهة الإنقاذ وكبار 30 يونيو هتفوا التخلص من الفاشية الدينية، وحينما جلسوا على الكرسى، تلبستهم فاشية المنتصر التى تريد الإطاحة بكل من يفكر فى نقدها، أو تصحيح مسارها وتصارعوا فيما بينهم على الغنائم حتى دمروا جبهتهم بأيديهم.. ألم أقل لك إنهم كلهم «فرودو».. مع الاعتذار لـ«فرودو».