قبل خمس سنوات، فى شارع قصر العينى، كانت مكتبة الموقف العربى الشهيرة، مفتوحة والكتب متراصة على الأرفف، وفى المكتبة طاولات للقراءة، المكان تحول إلى مكتبة عامة تمتلئ بالكتب، من إصدارات الدار والدور الأخرى.
كتب التاريخ والأدب والسياسة، المكان منظم ونظيف وهادئ ومرحب، ومنذ الصباح يحتضن المكان الأستاذ السبعينى الأنيق بابتسامته الودودة المرحبة، الأستاذ عبد العظيم مناف الكاتب والصحفى صاحب التجربة الصحفية الرائدة، ورئيس تحرير صحيفة صوت العرب ومجلة الموقف العربى التى تحمل المكتبة اسمها كواحدة من أهم المجلات الفكرية السياسية فى الثمانينيات من القرن العشرين.
وصل الأستاذ عبد العظيم مناف إلى السبعين، وقرر مواصلة رسالته على طريقته، وحول مكتبة الموقف العربى إلى مكتبة مفتوحة للقراء مجانًا. هكذا كان الأستاذ عبد العظيم مناف دائمًا يعتبر الصحافة والكتابة رسالة، وظل طوال عمره متمسكًا بمبادئه، ومواقفه، ووطنيته، يذهب إلى المكتبة مبكرًا بابتسامته التى لم تفارقه حتى فى أشد أوقات مرضه الأخير.
الكاتب الكبير عبد العظيم مناف، صاحب واحدة من أهم تجارب الصحافة، صحيفة صوت العرب، للناصريين والقوميين واليسار، تخرج منها عشرات الكتاب والباحثين من كل الاتجاهات، تفرقت بهم السبل. وبقى عبد العظيم مناف، على مبادئه، يحمل رسالته. تتلمذ على يديه مئات الصحفيين من أجيال مختلفة بعضهم يتصدر الساحة.
لحسن الحظ أننى عملت مع الأستاذ عبد العظيم مناف سنوات ممتدة، أثمرت صداقة كان فيها الأستاذ سباقًا بالود والسؤال والمحبة. والتمسك بالمبادئ والخلق بنفس الحسم، وظل مؤمنًا بالشباب حريصًا على أن يفتح بابه وقلبه ومكتبته لهم مستعدًا لخدمتهم بكل ود.
لم ينادِ الصحفيين وكل من يعمل معه أيا كًان فرق العمر والخبرة سوى زميلى الأستاذ فلان. وبجانب تجربته العريضة والعميقة وأستاذيته لأجيال متعددة ظل على مبادئه واحترامه لنفسه ولغيره، وللمختلفين معه والمتفقين. لم يكن يسمح بسب أو إهانة، ككل صاحب رسالة. وعرف أنه لم يتأخر فى مساندة زميل ومشاركة الجميع أفراحهم وأحزانهم. وساند المبادئ والأشخاص بالمال والعقل والقلب. وحتى فى مرضه الشديد ظل محافظًا على ابتسامته وتفاؤله، وأناقته الفعلية والمعنوية وروحه الودود.
وفى زيارتى له وهو مريض لم ينسَ أن يسأل كعادته عن الأبناء والأحوال. لم يتخلَ عن مبادئه ولا ابتسامته، ولهذا بقى فى عقل وقلب كل من عرفه، بمبادئه واحترامه، وسيرته الطيبة. رحم الله الأستاذ عبد العظيم مناف، وقد ترك سيرة ستبقى درسًا من رجل عاش صاحب رسالة.