يخطئ محمود عباس أبومازن، رئيس السلطة الفلسطينية أو رجاله أن ظنوا بأن هناك معركة شخصية معه، أو أننا نستهدفه لغرض ما، فالحكم لدينا هو القضية الفلسطينية التى تاهت وربما قضى عليها فى دهاليز أبومازن الذى شخصن القضية وحولها إلى إرث خاص به، ليس من حق أحد أن يتحدث عنها غيره، ولا مفاوض بديلاً عنه.
القصة ليست فى شخص أبو مازن، وإنما فى أفكار وتصرفات وأفعال أبومازن الذى شرعن لنفسه قانونا جديدا، تغلب به على قانون الغابة، فالغابة لها أسد يحكمها، لكن عباس يدرك أن الغابة ليست ملكه وإنما تحت سيطرة الحكومة الإسرائيلية، فبدلاً من أن يحررها من القبضة الإسرائيلية، جعل نفسه وصياً عليها ينفذ ما يشرعه الإسرائيليون له.. يتظاهر بالمعارضة لحكام تل أبيب، ويدين لهم بالولاء خلف الستار، فهو أدمن التبعية للأمريكان والإسرائيليين، ويستأسد على الفلسطينيين.
لم يتعلم أبومازن من عرفات شيئا، لكنه أبى أن يكون خليفة لزعيم رفعه الفلسطينيون على الأعناق عرفاناً بجميله وبدوره فى خدمة القضية الفلسطينية، التى تحول إلى رمز لها، رفض عباس أن يكون امتدادا للرمز، واختار العداء لكل رجال الرمز، فنكل بهم وطاردهم ليبقى وحيداً محاطاً فقط بمجموعة من دراويشه المستفيدين من بقائه، فأصيبت السلطة الفلسطينية فى عهده بداء عضال لن يقوى أحد على توفير الدواء له.
فى عهده تحولت السلطة إلى جسد ميت، بعد أن رفض كل محاولات العلاج أو الجراحات الوقائية متحججا بأسباب واهية، كما كان ولا يزال العقبة الأساسية أمام تحقيق المصالحة الفلسطينية، نعم أخطأت حماس وتراجعت فى بعض الأوقات الجهاد الإسلامى، لكن أبومازن لم يتعامل بمنطق الرئيس، ولم يترفع عن الصغائر، بل صار مثلها، إلى أن وصل الصدام مداه، وانقسمت فلسطين ما بين الضفة الفتحاوية وغزة الحمساوية، وبقيت إسرائيل فرحة بخلافات واختلافات الأشقاء تحت سمع وبصر عباس الذى يبدو أنه سعيدا بما يحدث، لأن ذلك مبتغاه ومن خلاله يضمن البقاء على رأس السلطة.
فى عهده تفسخت وضعفت حركة فتح التى تسلمها من أبوعمار قوية فتية متماسكة، لكن عباس أبى إلا أن يضربها التقسيم والتفتت، فسمعنا عن جبهات متصارعة، أحدها يقودها عباس نفسه، فى ضربة قوية وجديدة لمعنى الوحدة، وهدية ثمينة لإسرائيل التى فرحت لقدوم عباس إلى السلطة، وقال رئيس وزرائها حينها آرئيل شارون «نحن نرى فرصة كبيرة فى انتخاب الرئيس محمود عباس.. إسرائيل لا تنوى أن تفقد هذه الفرصة»، فدعمته وقدمت له كل ما يريده.
هذا باختصار شديد جزء مما اقترفته يد أبومازن ضد القضية الفلسطينية ودفعنا لنتحدث عن خطاياه، فالموضوع لا علاقة له بخصومة أو مشكلة شخصية، لكنها قضية وطنية من الدرجة الأولى، أساسها فلسطين التى هدمها أبومازن وفسخ أواصلها وقسمها بينه وبين من ناصرهم العداء من الأشقاء والإخوة الفلسطينيين، القضية لا تتعلق بدحلان أو غيره كما حاول رجال أبومازن الإيحاء فى إعلامهم الخاص بهم، لأننا لسنا جزءا من المعادلة الفلسطينية الداخلية، ولن نقبل ذلك أبداً، وكل ما يمكن أن نقبله هو أن نكون جزءا من المعادلة الوطنية العربية والفلسطينية، حتى إن لم يكن ذلك على هوى أبومازن.
فى النهاية بقيت كلمة أردت أن أقولها منذ البداية وهى أن أبومازن قد يكون خيار بعض الفلسطينيين، لكنه أبداً ليس خيار إنقاذ للقضية الفلسطينية.