هل أصبح تنظيم داعش فعلا فزاعة العالم؟ وهل يديره أبوبكر البغدادى وشركاؤه من مخابئهم فى العراق، أم أن التنظيم تحول إلى جرثومة مرضية يمكن أن تنتشر فى أوساط اليائسين والمحبطين والعاطلين والمحرومين فى كل بلاد الدنيا؟ وهل فعلا صممت أجهزة الأمن الأمريكية التنظيم وأطلقته لتفتيت المنطقة العربية، وكالعادة خرج الوحش عن السيطرة بفعل جاذبية الفكرة للمتطرفين خارج التنظيم الأساسى، وأصبحت أمريكا والدول الغربية فى مرمى نيرانه؟ أم أن الولايات المتحدة مازالت تحكم قبضتها على التنظيم وعناصره داخل العراق وسوريا وخارجهما وبين أوساط المهاجرين إلى أوروبا، وتستخدمهم لتهديد العالم؟ أسئلة، وتفسيرات عديدة، لكن لا أحد لديه الجواب القاطع النهائى، وإن كانت أصابع الاتهام تشير بوضوح للعم أوباما الجالس فى مكتبه البيضاوى ويدير العالم لتحقيق الأهداف والمصالح الأمريكية، وبعضها معلن ويجرى تنفيذه فى وضح النهار، رغم الدماء التى تسيل أنهارا، ورغم ملايين اللاجئين المشردين، ورغم الدول المستقرة التى تنهار ومعها أحلام وطموحات الملايين. فى عقدى الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضى صممت الإدارة الأمريكية برامج للتغيير فى بلدان العالم الثالث عبر الانقلابات العسكرية، وذلك فى سياق تسلم راية قيادة العالم من الإمبراطورية البريطانية التى لم تكن تغيب عنها الشمس، ورأينا حمى تلك الانقلابات تجتاح معظم دول العالم النامى فى أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، وكلها ترفع رايات التحرر والثورة، وبعد سنوات خرجت المعلومات من الأدراج وعرفنا أن البرنامج الأمريكى للتغيير دعم كل هذه الثورات. صحيح أن بعض هذه الثورات خرجت عن النص الأمريكى استجابة للدوافع الوطنية «المحلية»، أو أن بعضها استخدم الدعم الأمريكى باعتبار واشنطن أمة ناهضة، لمواجهة الأسد الاستعمارى البريطانى دون حرج، مثلما اتجه بعض الوطنيين لمساندة ألمانيا هتلر فى مواجهة بريطانيا تشرشل المحتلة، لكن الحقيقة تظل واحدة وهى أن برنامج تغيير العالم خلال الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضى خرج من دوائر البيت الأبيض والبنتاجون ليغير العالم فعلا. اليوم، نحن أمام برنامج أمريكى جديد لتغيير العالم، لكنه نسخة أشد قبحا وتدميرا وبشاعة من برنامج التغيير عبر الانقلابات العسكرية خلال القرن الماضى، فالبرنامج القديم كان يتعامل مع رأس الدولة فقط دون المساس بها، وهدفه تغيير القيادة الحاكمة وأهدافها ليبدو تغييرا شعبيا يمكنه العمل وفق المحددات الأمريكية الجديدة، أما البرنامج الجديد فهو يتعامل مع المجتمعات بالتقويض والتفكيك والحروب الأهلية القائمة على المذاهب والأعراق، وآثاره التدميرية بالغة التأثير وممتدة لعقود طويلة، فالأهون على الدول أن تتلقى 10 قنايل نووية مثل هيروشيما وناجازاكى، على أن يتم تفكيك مجتمعاتها إلى عناصرها الأولى وأن تشتعل الحرب على أساس الدين أو المذهب أو العرق أو اللون. مثل هذه الحروب تنهى الدول تماما، فلا يعود العراق كما كان أبدا للأسف الشديد، بل شيعة يكرهون السنة وسنة يمقتون الشيعة، ودواعش متطرفون يستعبدون الأزيديات ويغتصبون التركمان، ومسيحيون يتخفون من المطاردين إن قرروا البقاء فى البلاد أصلا، وأكراد يعلون الهوية الكردية فوق أى شىء آخر، ويكتفون بما حققوه من حكم ذاتى محدود وحصة من البترول، ومثل العراق سوريا وليبيا واليمن وكل الدول العربية الموضوعة على قوائم التفكيك والتدمير.. وللحديث بقية.