عايزين مرتبات عالية ويتفننون فى التزويغ من العمل ولا يدفعون ضرائب ولا يشجعون على الإنتاج
دائماً الإنسان فى أى مكان وزمان يحلم بمستقبل باهر، فيها الحياة ناعمة، ومريحة، تتوافر فيها كل وسائل الحياة الكريمة، من أمن وأمان، وتعليم رائع، وخدمة صحية ممتازة، وإسكان لائق، وفرصة عمل يلبى دخلها كل متطلبات الحياة، وفى سبيل ذلك يبذل الجهد والعرق، لتحقيق ذلك.
وبالمقارنة بين طموحات الإنسان فى أوروبا والدول المتقدمة، وبين نظيره المصرى، بالعيش فى حياة كريمة، تكتشف إنها واحدة، والاختلاف يتباين بقوة فى الأهداف ووسائل تحقيقها.
الإنسان فى الدول الأوروبية والمتقدمة، يبذل كل الجهد فى عمله، وبمنتهى الضمير، ويطور من أدائه، ويرى فى العمل قيمة كبيرة تحقق له الحياة الكريمة، ولا يخجل من نوعية عمله، ويعلم أنه بقدر جهده سيحصل على المقابل، وفقاً لمعادلة واضحة المقادير، كلما أعطيت وبذلت من جهد، حصلت على المقابل.
لكن المعادلة الحياتية المصرية، يختلف جوهر المقادير فيها، وتختل بكل قوة عن نظيرتها فى أى دولة، حيث قوام مقاديرها والتى تحولت لشعارات ثورية وسلاح ضاغط للنخب الفاسدة، «إحنا عايزين.. بس مش هنديك».
نرفع شعارات دولة القانون، وأن القانون لابد أن يطول الجميع، من الخفير للوزير، ثم نجد الثوار والنشطاء والحقوقيين والفنانين والمطربين ونجوم الكرة ورجال الأعمال والصحفيين والإعلاميين والسياسيين وأعضاء النقابات المختلفة، أول من يركلون القانون بأقدامهم، ويبذلون كل الجهود «للدوس عليه بأحذيتهم»، ثم يخرجون علينا بمنتهى الثورية يرددون ويتباكون من أن القانون لا يطبق إلا على الغلابة فقط!!
الشباب يخرج غاضباً وساخطاً من الوضع فى مصر، ويعقد المقارنات بيننا وبين أوروبا والدول المتقدمة، وكم المواطن هناك يتمتع بكل الحقوق، ويعيش حياة كريمة، ويطالبون الحكومة بضرورة منحهم ما تمنحه الحكومات الأوروبية لمواطنيها، وإذا سألتهم وماذا قدمت أنت من واجبات مثلما يقدم المواطن الأوروبى لبلاده، لا تجد إجابة، الشباب المصرى يبحث فقط عن الحقوق، ويتنصل من كل الواجبات، ويغلف تنصله بكل أوراق المبررات المزيفة والكاذبة والتى ليس لها أى أساس من الواقع.
عايزين مرتبات عالية، ويتفننون فى التزويغ، ويشتكون مر الشكوى من ملايين الموظفين الذين لا يعملون وفاسدين ومرتشين، ومع ذلك يخرجون فى مظاهرات لو تحركت الدولة لوضع خطة هيكلة فى إدارة أو هيئة من الهيئات بالوزارات المختلفة، وتقام حفلات المآسى، وسرادق النحيب والبكاء واللطم على الخدود ألماً على ما أصاب الموظفين الذين أحيلوا للتقاعد.
النشطاء وقطاع كبير من المصريين يقارنون بين وضع الجنيه فى مقابل العملات الأجنبية، وتحديداً الدولار، وينزعجون من تراجع قيمة العملة المصرية، ويتهمون الحكومة بالفشل، فى الوقت الذى تجد فيه أن النخب بكل فئاتها، يهربون من دفع الضرائب، ويقدمون رشاوى ضعف قيمة الضريبة المحددة له، حتى يفوت على الخزانة العامة تحصيل المبالغ المطلوبة، ويرفع شعار «الأنتخة» وعدم العمل، وبذل كل الجهود، لإيجاد أعذار ومبررات تحول دون العمل والإنتاج، ويهرعون لشراء السلع الترفيهية والماركات الأجنبية ولا يشجعون المنتج المحلى.
يتباكون على القيم والأخلاق التى ذهبت أدراج الرياح، ويصابون بمرض الـ«نوستالجيا» أى الحنين إلى الماضى، سواء للعهد الملكى، أو ما تلاها، وكم كان رائعاً وعظيماً فى القيم الأخلاقية، والذوق والشياكة والتربية، وكم كانت الفن والرياضة والموسيقى والاقتصاد والسياسة، فى أوج ازدهارها، وروعتها، وأنها كانت تمثل قوة مصر الناعمة، فى الوقت الذى يدعمون فيه حالياً أفلام السبكى، وأغانى أوكا وأورتيجا، ويساندون روابط الألتراس التى تعيث فى الملاعب فساداً، وإذا قررت الدولة التدخل فى محاولة للتصحيح، تشتعل نيران الغضب، والسخط، وتتحرك القضايا فى المحاكم، تدافع عن فيلم «حلاوة روح» أو أدب الجنس المقزز، ويشجعون على ارتداء «البنطلونات المقطعة».
من الآخر، المصريون، وبعد 25 يناير 2011، تحديداً، وقعوا أسرى، الشعارات التافهة، الداعية للفوضى الأخلاقية والأمنية، وقوامها شعار «إحنا عايزين وعايزين وعايزين..بس مش هنديك»، وعليك أن تتصرف، ويطالبون بالشىء ونقيضه فى نفس الوقت، لا يريدون أعداداً كبيرة فى الجهاز الإدارى، ولكن يرفضون الهيكلة، وعايزين مرتبات ضخمة «بس مش هيشتغلوا أو يدفعوا ضرائب»!!