من حين لآخر تثار هوجة كبيرة كلما تم العثور على رؤوس حمير مقطوعة وملقاة فى الشوارع، أو اعتراف أحد الجزارين بأنه يبيع لحم حمير، ويصاحب هذه الهوجة تأليف إفيهات ونكات «مؤلمة» على تلك الحالة التى وصلنا إليها من انعدام رقابة الدولة على أى شىء ومنها بالطبع المأكولات والمشروبات، لكنى فى الحقيقة فى وسط هذه الهوجة كثيرا ما أذهب إلى ما بعد النقد والاستنكار وأسأل نفسى: ولماذا يكون لدينا حمير أصلا؟
هو مشهد مخجل بكل ما تحمله الكلمة من معنى، فماذا يعنى أن تسير فى الشارع «مركبة» يجرها «حمار» أو «حصان» ونحن نجاهد بكل ما أوتينا من قوة من أجل أن تظهر مصر فى صورة حضارية مشرفة؟ ما معنى أن تسير فى الشارع «عربة بحمار» فتعطل المرور وتملأ الشارع بالقاذورات وتشوه المظهر الحضارى لشوارع مصر وميادينها؟
تلك مشاهد مخجلة بلا شك، وبلا شك أيضا فقد آن الأوان لتنتهى تلك المشاهد من حياتنا، فنحن لسنا فى العصور الوسطى لنستخدم الدواب فى نقل البضائع وحرث الأرض والتنزة فى الحدائق، ومن العيب أن نبذل كل هذه المجهودات من أجل تطوير عواصمنا ثم يأتى مشهد كهذا ويظهر مصر فى صورة الدولة الرجعية التى مازالت تعتمد على الدواب فى «خدماتها الاستراتيجية».
نعم أنا أدعو إلى «حظر تجوال» للحمير فى شوارع مصر وميادينها، وإن كان لا محالة فيجب اقتصار وجود هذه الدواب على المحصول والمزارع فحسب، ومصادرة أى دابة توجد خارج هذه الأماكن المحددة، على أن يتم مساعدة «العربجية» الذى يمتلكون «عربات كارو» بتقديم سيارة صغيرة أو «تروسكل» بطرق ميسرة لكل من يسلم عربته الكارو إلى الحكومة، تماما كما تم فى مشروع «التاكسى الأبيض» الذى أسهم بشكل كبير فى تحسين خدمة سيارات الأجرة فى مصر.
هذا أمر لا يحتمل التأجيل، وأعتقد أنه من المخجل أن نتحدث الآن عن عربات الكارو فى مصر بينما تطلق وكالة الفضاء الأمريكية «ناسا» أسماء لآلهة فرعونية مصرية على مسبارها ومركبتها التى تغزو الفضاء.