لا يمكن إعفاء جهات كثيرة من المسؤولية عن مصرع عشرات فى هجرة غير شرعية، حتى لو كانت هناك مسؤولية على من يذهبون إلى التهلكة بتحويشة العمر، يمكن التماس الأعذار لمن يريدون مغامرة لا يحسبون حسابها، تحت دافع الفقر أو البحث عن فرصة أفضل، أو تقليد تجربة نجاح، ومع مسؤوليتهم فهم ضحايا.
وبالطبع أيضا فإن الهجرة غير الشرعية ظاهرة عالمية تديرها عصابات عابرة للحدود، لكن بعض هذه العصابات موجودة هنا، تعمل باستمرار، وخلال السنوات منذ أصبحت الهجرة غير الشرعية ظاهرة قبل أكثر من 15 عاما، لم يتم ضبط عصابة أو حتى أحد زعماء العصابات، دائما من يتم الإمساك بقائد المركب أو مساعديه أو وسطاء، بينما الرؤوس الكبيرة يواصلون عملهم بكل حرية، يوردون الشباب والمراهقين للموت، من مصر وخارجها، ويتواصلون مع مهربى البشر فى الدول المختلفة، ويحققون مئات الملايين.
فى الكارثة الأخيرة لمركب رشيد الغارق، تم ضبط 4 من طاقم المركب وحبسهم على ذمة التحقيقات، وهؤلاء مجرد وسطاء أو باحثين عن أكل عيش، وضحايا، ومن الوارد أن يلقوا حتفهم مثل باقى الركاب، وبالطبع تقع عليهم مسؤولية جنائية، لكنها مسؤولية الضحايا ممن ألقوا بأنفسهم للتهلكة.
كل كوارث الهجرة غير الشرعية يغرق قادة المركب أو يتم القبض عليهم وحبسهم، بينما يبقى الكبار محصنون وغير معروفين، ومع الوقت يخرج حتى الوسطاء بأفعال محامين ويضيع حق الضحايا.
من حكايات الناجين من مركب الموت، لا يعرفون العصابات أو الزعماء، يعرفون فقط وسطاء عن وسطاء، غالبا يتكتمون ومنهم من يضحى بنفسه لإنفقاذ العصابة مقابل معاش لأسرته، ومن الشهادات أيضا نكتشف أن الضحايا تم تخزينهم فى المركب لأكثر من يوم، انتظارا لساعة صفر لم تأت، وهو تجميع يتم أمام شهود وتعرفه أجهزة الأمن أو يفترض أن تعرفه من خلال مخبرين، خاصة أن الأمر يتم على الحدود فى وقت متوتر، ومن الوارد أن يحدث تسلل من ليبيا أو غيرها، ومن شهادات الناجين نعرف أن صفقات الهجرة تتم فى أماكن شبه علنية، مقاه ومطاعم وخلافه. وبعضها يتم تحت سمع وبصر رجال أمن.
كل هذا يكشف عن تواطؤ أو تجاهل مقصود لصفقات الهجرة، وأن العصابات لها أعين ومعاونون وأذرع فى المؤسسات، فضلا عن محامين، هؤلاء أقرب للمافيا، يظلون بمأمن من أى عقاب، ومالم يتم التوصل لهؤلاء وعقابهم، لا يمكن أخذ مواجهة الهجرة غير الشرعية بجدية.