غدا الذكرى الـ46 لوفاة جمال عبدالناصر، ورغم كل هذه السنوات فإنه مازال يشكل حضورا طاغيا، فمن يناصره العداء يراه سبب البلاء الذى تعيشه مصر والمنطقة العربية، ومن يؤيده يراه الرجل الذى جاء فى موعده مع القدر لمصر والمنطقة، وبقاء الجدل على هذا النحو يؤكد أن التراث الذى تركه هذا الرجل مازال ينبض بالحياة، ومن يكرهونه يخافون عودته بقيمه، ومن يؤيدونه يرون أنه لا بديل عن هذه القيم إن أردنا التقدم والعدل.
تحتشد قوى اليمين الدينى بكل أطيافها من إخوان إلى آخرين على العداء له إلى حد اتهامه بـ«الكفر»، ولم يأت هذا العداء من فراغ، صحيح أن فيه مواقف مؤثرة مثل محاولة جماعة الإخوان لاغتياله فى 26 أكتوبر 1954، واعتقالات تمت لقادة الجماعة وكوادرها، لكن يبقى الأصل فى أن هؤلاء يناصبونه العداء ويكرهونه كراهية التحريم، لأنه صاحب المشروع الحقيقى فى الانحياز للتقدم والتحرر والنهضة والوحدة العربية والاستقلال الوطنى، وترجم ذلك فى سياسات عظيمة، كالتصنيع الهائل الذى لم تشهد مصر مثله قبله وبعده، والانحياز إلى الفقراء الذين يشكلون غالبية الشعب المصر، يمكننا أن نتحدث عن أخطاء وثغرات، ولكن من قال إن هناك حكاما بلا أخطاء على مر التاريخ، ومن قال إن التجارب التى قادت الدول إلى التقدم لم يكن فيها أخطاء، لكن تكمن القدرة فى تصحيح نفسها أولاً بأول.
كشف مشروع عبدالناصر ضحالة مشروعات قوى اليمين الدينى التى تقوم على النعرات الطائفية واللعب بورقة الدين والانحياز إلى سياسات الرأسمالية المستغلة، واللجوء إلى الإرهاب كوسيلة لفرض رؤيتهم على المجتمع، ولهذا فإنهم حين يخترعون أكاذيب ويلصقونها به يستهدفون فى الأساس ضرب مشروعه بكل قيمه الأصيلة، ويمكن ذكر عشرات الأمثلة فى ذلك كزعمهم مثلا بأن محاولة الإخوان لاغتياله فى ميدان المنشية بالإسكندرية تمثيلية من تدبيره.
اللافت فى ذلك أن هذا العداء يقف فى خندق واحد مع هؤلاء الذين يعملون من أجل أن تأتى إسرائيل للنوم على مضاجعنا، ومن أجل أن يزيد الرأسماليون الفاسدون من حساباتهم فى البنوك.