ساهم شيمون بيريز، رئيس إسرائيل التاسع، والذى توفى قبل أيام فى قتل مئات الآلاف من العرب، وتشريد ملايين الفلسطينيين، فأطلق عليه الرئيس الأمريكى أوباما، كذبة كبرى، وهى أنه يذكره «بعمالقة القرن العشرين، مثل الملكة إليزابيث الثانية، وزعيم النضال ضد الفصل العنصرى فى جنوب أفريقيا نيلسون مانديلا».
أطلق أوباما كذبته فى كلمته التى ألقاها أثناء مراسم جنازة «بيريز»، أول أمس، الجمعة، أمام 90 وفدا ينتمون إلى 70 دولة، من بينهم 11 رئيس وزراء، و20 وزيرا للخارجية، وملك واحد، ومن بين المشاركين سامح شكرى وزير خارجيتنا، وممثلين لحكومات دول عربية، مثل الأردن والمغرب وسلطنة عمان وقطر والبحرين.
حققت إسرائيل نصرها لدى بعض النخب العربية الحاكمة، بتغيير بديهيات صراعها مع العرب، فلم تعد فى نظرهم كيانا غاصبا اقتلع شعب من أرضه وشرده، ولم تعد فى نظرهم كيانا يمثل بؤرة سرطانية فى المنطقة لن يسمح مهما كانت الظروف بتقدم المنطقة.
تراهن إسرائيل كل يوم على توسيع رقعة هذا النصر، بحيث يتمدد من قمة «الحكم العربى» إلى الناس العاديين فى كل بلد عربى، وكلما تحول مواطن عربى إلى الاعتقاد بأنها لم تعد عدوا، وأنها أصبحت صديقا، كلما أصبح نصرها أكثر قيمة بالنسبة لها، فالرهان على وعى وعقل المواطن العربى العادى هو الأهم عندها.
فى هذا السياق، يطلق أوباما كذبته، يعتبر «بيريز» من «عمالقة القرن العشرين»، يشبهه بـ«مانديلا»، يضع «مانديلا» الذى قضى 27 عاما فى السجن من أجل قضية عادلة فى كفة واحدة مع رجل قضى عمره فى قتل وإبادة الشعب الفلسطينى، وفى قيادة حروب إسرائيلية ضد جيوشنا، والتواطؤ على هذه الحقائق التاريخية يعنى تواطؤ ضد الوعى العربى، وهذا ماتريده إسرائيل، تريد إقناعنا بأن إرهابها هو نضال.
يقول «أوباما» قناعته، لكن أن يستمع إليها المسؤولون العرب المشاركون فى الجنازة بكل هذا التأثر، فهذا يعنى التسليم بما قيل، ويعنى السماح لكذبة كبرى بالتسلل إلى العقل العربى دون مقاومة.
«بيريز» هو من صناع القرن العشرين بمعايير الاستعمار والاحتلال والاستغلال، بمعايير استعباد الشعوب وقهرها، بمعايير قهر وإبادة كل الذين يطالبون بحقوقهم واستقلالهم الوطنى، أما رموزنا فى القرن العشرين، فهم الذين قادوا معاركنا الوطنية من أجل حريتنا وعزتنا وكرامتنا واستقلالنا، وبالطبع لن يتحدث عنهم أوباما، ومن على شاكلته.