كاد يوم 6 أكتوبر 1973 يمر بشكل طبيعى، لكن البيانات العسكرية عن عبور القناة وتحطيم خط بارليف جعلته أحد أطول أيام السبعينيات، انتقل المصريون بجوار أجهزة الراديو والتليفزيون الذى كان قليلا حتى وقتها.
ودبت الحركة فى كل الأعمار والفرحة للكبار أكثر، فهم الذين عاصروا يونيو. تغيرت خريطة الإذاعة قليلا فى رمضان، وتواصلت البيانات العسكرية والكلمات والأغانى الوطنية الجاهزة، لم تكن أغانى أكتوبر لعبدالحليم حافظ أو شادية والمجموعة التى اشتهرت «عاش.. باسم الله، عبرنا» أو غيرها ظهرت، وإن كانت خرجت خلال أيام تالية ضمن فرحة عامة وبهجة.
لم نذهب للمدرسة فى اليوم التالى وتواصلت الاحتفالات وظهر المتطوعون من شباب الجامعات أو الثانوى. وظل نداء «طفووا النور» يتردد ما بعد المغرب، وتم طلاء زجاج الشبابيك بالزهرة الزرقاء، وبالرغم من إطفاء أنوار الشوارع التى كانت قليلة، فقد كان الناس يخرجون إلى الشوارع ليسهروا انتظارا لأنباء الحرب، ويصلون التراويح على أضواء لمبات الجاز الخافتة.
كنا نهارا نتوجه لزملائنا من البورسعيدية المهجرين فى المدارس والمبانى التى تم إخلاؤها بعد يونيو. كنا نظن أن لديهم أخبارا تختلف عما نحن فيه، كان آباء زملائنا، يروون لنا عن بورسعيد ومدن القنال. كانوا يحدثوننا عن بيوتهم هناك، وكيف أنهم تلقوا الضربات فى يونيو، وكانوا أكثر فرحا لأن العبور يقربهم من العودة لبيوتهم فى السويس وبورسعيد. اندمجوا بسرعة فى المجتمع، وكان نادر وممدوح بورسعيديان من أقرب أصدقائى كنت أستمع لحكاياتهما ووالداهما عن حياة بورسعيد والقناة والحرب. وظلوا ينتظرون اليوم الذى يعودون فيه لبيوتهم، وكانت الاحتفالات والفرحة واضحة عليهم مثلما على الجميع، بالسمسمية وأغانى البطولات.
كانت أجواء الحرب فى الإذاعة، والكل ينصت وينتظر نشرات الأخبار ويقلبون فى محطات الإذاعة البريطانية أو مونت كارلو، وينتظرون نشرة التاسعة فى التليفزيون التى يستمعون لها بصوت خافت، وفى غرف ذات الزجاج المطلى بالأزرق. وخلال يومين بدأت أنباء عن شهداء سقطوا فى لحظات العبور الأولى، وكان أى بيت يتلقى نبأ استشهاد يتلقى زيارات المشاركة والفخر بشهداء كنا نعرفهم، وبعضهم رأيناه فى إجازة خاطفة قبل الحرب، كانت أصوات الطائرات فى القاعدة الجوية بالقرب منا متواصلة، حتى اليوم المشهود الذى رأيت فيه حطام طائرة إسرائيلية واحتفظت لنفسى منها بتذكار ظل سنوات.