مع كل حادث إرهابى نكتشف ضعف أو فشل منظومة «كاميرات المراقبة» الموجودة بالشوارع والميادين فى القاهرة الكبرى والمحافظات، مما سمح للإرهابيين بالتحرك بحرية وتنفيذ عملياتهم الإرهابية دون أى رصد لتحركاتهم، وأضعف القبضة الأمنية فى تحديد هوية الجناة.
آخر هذه الحوادث محاولة اغتيال المستشار زكريا عبدالعزيز، النائب العام المساعد، بالقرب من منزله بالتجمع الأول فى القاهرة الجديدة، حيث لم تسجل كاميرات المراقبة شيئاً، لتضاف هذه الحادثة إلى قائمة طويلة من الجرائم الإرهابية التى تاهت حقيقتها لعدم وجود أية تسجيلات لكاميرات المراقبة، وهو ما يدفعنا للتساؤل حول عمل آلية عمل هذه المنظومة، ومن يتحمل مسؤولية تعطيلها أو فشلها منذ البداية، وهل سيستمر الوضع على ما هو عليه الآن، أم ستحاول وزارة الداخلية تفادى أخطاء الماضى، ووضع منظومة جديدة لكاميرات المراقبة تسهل عمل الأجهزة الأمنية فى رصد ومتابعة مرتكبى الجرائم، ليس الإرهابية فقط، وإنما الجنائية بشكل عام، خاصة أن غالبية دول العالم بدأت تعتمد على كاميرات المراقبة فى الشوارع والأماكن العامة كآلية منجزة لمنع حدوث الجريمة، والقبض على مرتكبيها حال تنفيذ الجريمة، ويكفى أن نشير هنا إلى واقعة أثبتت فاعلية هذه المنظومة، فكلنا نعرف تفاصيل ما حدث فى قضية اغتيال القيادى الحمساوى محمود المبحوح قبل عدة سنوات، فقد كشفت كاميرات المراقبة فى دبى عن المتهمين فى جريمة القتل، وللمرة الأولى فى التاريخ يتم فضح عملية مخابراتية للموساد الإسرائيلى، ورصدها بالكاميرات.
حتى الآن لا توجد تأكيدات لدينا حول نية وزارة الداخلية على الأقل إصلاح منظومة كاميرات المراقبة، لكن هناك أنباء تتناثر هنا وهناك، حول وجود اتجاه لإسناد ملف كاميرات المراقبة لأجهزة سيادية للإشراف عليها بشكل مباشر، تحديداً فى محافظتى القاهرة والجيزة، التى شهدت مؤخراً تركيب نحو 70 كاميرا مراقبة جديدة ليتخطى عدد كاميرات المراقبة بالقاهرة الكبرى أكثر من 500 كاميرا، معظمها لا يعمل والبعض لا يسجل الأحداث التى تقع، ومن ثم تصبح قيمتها عديمة الجدوى، أخذاً فى الاعتبار أن مجلس أمناء مدينة القاهرة الجديدة، قرر، مؤخراً، توفير مبلغ 60 مليون جنيه تكلفة تركيب كاميرات مراقبة لمدينة القاهرة الجديدة وتم تسليمها لوزارة الداخلية، لتتولى مسؤولية وإعداد وتركيب منظومة المراقبة، وهو الرقم الذى يكشف عن حجم التكلفة الكبيرة التى يتم إنفاقها على كاميرات المراقبة فى مصر، دون أن تتحقق الاستفادة المنتظرة منها.
هناك أحاديث برلمانية عن وجود وقائع فساد فى صفقات شراء الكاميرات الموضوعة فى الشوارع والميادين للمراقبة، لكنها مجرد أحاديث ليس هناك ما يؤكدها، إلا إذا قرر النواب بالفعل مناقشة هذا الأمر وكشف تفاصيله، سواء من خلال تشكيل لجنة تقصى حقائق حول الكاميرات المعطلة فى الشوارع، كما اقترح محمد عقل، عضو لجنة الدفاع والأمن القومى بالبرلمان، أو على الأقل بطلب كل البيانات الخاصة بهذا الملف من الحكومة لدراسته بشكل وافٍ والرد على كل التساؤلات المطروحة حالياً على طاولة النقاش.
دخول البرلمان فى هذه الأزمة مفيد، لأنه سيجعل النقاش علنيا لتوضيح الحقائق، فضلاً عن إلزام الحكومة ممثلة فى وزارة الداخلية بخطة وإستراتيجية كاملة وواضحة للاستفادة من منظومة كاميرات المراقبة، وحتى لا تبقى الكاميرات فى الشوارع مثل «خيال المآته»، لأن الأمر أصبح خطيرا، ولا يجب أن يبقى هذا الملف على ما هو عليه دون تحرك واضح من القائمين عليه، ومن يتولون مراقبة الحكومة وأداء وزاراتها ومؤسساتها.
كلى أمل أن نشهد تحركا واضحا وحقيقيا حتى لا نفاجأ بحادث إرهابى آخر، دون أن نتمكن من الكشف عن الجناة، وتركهم طلقاء أحرارا.