بالأمس، كتبت عن ضرورة تعليم الأطفال الفن بشكل عام، لكى لا يتحولون إلى وحوش تتفنن فى القبح، وكما قلت أمس، فإن الإنسان إذا لم يحصل على تعليم مناسب ينمى روحه ويثقف وجدانه سيتحول إلى مسخ حقيقى لا يستمتع إلا بالتشوه ولا يستهويه إلا التخريب، وهو الأمر الذى نراه يوميا فى حياتنا الآن، وليس أوضح من مشهد التحرشات الجماعية التى يمارسها «أطفال» فى الزحام والأعياد، وجنبا إلى جنب مع تدريس الفنون المختلفة فى المدراس يجب علينا أن نعلم أطفالنا «الشغف» ولو الأمر بيدى لوضعت مادة دراسية تحت هذا الاسم، فحياة الإنسان بلا شغف هى حياة كئيبة مملة خانقة، لا شىء يبهجها ولا شىء يمنحها متعة وإثارة، وبحسب علمى فإنه لا يزرع الشغف فى الإنسان أفضل من «تاريخ الفن» الذى يجعل الواحد يتتبع الفنون وثمارها فى كل مكان، مجتهدا فى معرفة حالة تبادل التأثير والتأثر بين الحضارات، ملما بالمدارس الفنية ورموزها، عالما بما تنتجه الأمم من فنون وثقافة، والأهم من هذا كله بالنسبة لى هو أن يرى بأم عينه صورة بلده الحاضرة فى الوجدان العالمى، فيزداد فخرا بهذا البلد ويزداد حبا لها، لكنه فى هذا الحال سيكون حبا بسبب واضح وأساس راسخ، وليس حبا متأرجحا بتأرجح الأيام والأحداث.
تنتشر الآن الدعوات الإعلامية والمبادرات المجتمعية لشباب مصر من أجل أن يظلوا فى بلدهم ولا يتركونها ملقين بأنفسهم فى عرض البحر، لكن أحد لم يقترب يوما من شرح أفضلية مصر تاريخيا وحضاريا على غيرها من البلاد، وهو ما يفعله «تاريخ الفن» بكل نصاعة، ولذلك فلابد أن يدرس أبناؤنا كلا من الأدب والفن المصريين فى كل المراحل التعليمية، فقد يدخل أطفالنا مدارسنا ويخرجون منها وهم لا يعرفون شيئا عن الأدب الفرعونى، أو الأدب القبطى، ومن المؤكد أيضا أن أطفالنا يدخلون المدارس ويخرجون منها دون أن يعلموا شيئا عن الفن المصرى القديم أو الفن القبطى أو حتى الفرق بين الفن المملوكى والفن العثمانى، فالأدب الذى يتعلمه أطفالنا فى المدارس يبدأ من العصر الجاهلى وينتهى عند الأدب الحديث، وكأن مصر الفرعونية لم يكن بها أدب أو حياة، والفن الذى يتعلمه أطفالنا فى المدارس لا يتعدى «حصة الرسم» التى يعتبرها التلاميذ فرصة لدخول الحمام والاستراحة من بقية اليوم الدراسى، ما يجعل تدريس مادتى تاريخ الأدب المصرى وتاريخ الفن المصرى منذ العصر الفرعونى وحتى العصر الحديث ضرورة حتمية، لتنمية الانتماء فى القلوب وزراعة شغف فى الأرواح.