أضحى الإرهاب كابوسا يُزعج العالم كله، ويكدر حياتنا، ويُفسد أحلامنا، ويؤرق منامنا، ذلك أنه بات ظاهرة عالمية مشؤومة لا تهدد منطقة الشرق الأوسط فحسب، إنما طالت أيضا دول العالم الغربى، ولعل أحداث باريس الدامية فى نوفمبر 2015، ليست بالبعيدة، عندما شهدت فرنسا هجمات إرهابية غير مسبوقة أخلفت مئات القتلى والمصابين، ناهيك عن إرهاب داعش الشنيع الذى لم يتوقف حتى خلال الساعات القليلة الماضية، التى استشهد فيه 12 جنديا مصريا شمال سيناء إثر هجوم إرهابى غاشم.
نعم.. دق ناقوس الخطر، عندما كثرت العمليات الإرهابية السوداء فى ظل صدور الفتاوى المحرضة على القيام بعمليات انتحارية متعددة ضد الأبرياء فى دول العالم، وهنا أدركت الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء فى العالم تحت مظلة دار الإفتاء المصرية، والتى يرأسها مفتى الديار المصرية الدكتور شوقى علام، ذلك الخطر الـمُحدق، فسارعت فى إجراء مؤتمرها العالمى، المزمع عقده فى 17، 18 أكتوبر الجارى، تحت عنوان (التكوين العلمى والتأهيل الإفتائى لأئمة المساجد للأقليات المسلمة) برعاية الرئيس عبد الفتاح السيسى، وبحضور شيخ الأزهر ومشاركة وفود دينية لــ 80 دولة.
عراقة دار الإفتاء المصرية التى نشأت مستقلة عن الأزهر منذ 700 سنة، والتزامها بالوسطية والاعتداء، وعملها الدَؤُوب فى الفتوى والنصح والإرشاد، وكل ما تبذله من مجهودات داخليًّا وخارجيًّا من أجل بيان صحيح الدين ونشر الوسطية ومواجهة موجات التطرف البغيض والطعن فى الثوابت الإسلامية، يعرفه العامة ولا خلاف عليها (افتح هذا القوس لأذكركم أن دار الإفتاء أصدرت 630 ألف فتوى بـ10 لغات فى عام 2015، واعتُمدت كمرجعية للبرلمان الأوروبى فيما يخص الفتوى وقضاياها لمواجهة ظاهرة الإسلاموفوبيا).
ولا نغفل الجهود الحثيثة التى يبذلها الدكتور إبراهيم نجم، مستشار مفتى الجمهورية، الذى يؤكد دوما أن مواجهة التنظيمات الإرهابية يكون بالفكر والتعلم والتدريب، وتوعية الأقليات المسلمة، للحد من انضمامهم للجماعات المتطرفة.
ومن ثم، كان لمصر السبق والريادة الدينية فى تنظيم مؤتمر دار الإفتاء العالمى، لكبح الإرهاب، وإِجْتِثاث الفكر الداعشى الشيطانى من جذوره، واستئصال التطرف، ومُجابهَة الكراهية والخوف من الإسلام، وتجفيفا لمنابع الشر، ونشر سماحة الدين الإسلامى.
ويبدو أن ثمار المؤتمر وفاكهته المعسولة برائحة الوسطية والاعتدال، نكاد نُجنيها من الآن، خاصة مع الإعلان عن تأسيس أمانة عامة وموحدة للفتوى فى العالم، لمقاومة فتاوى التطرف الصادرة من غير المتخصصين، إذ يمثل هذا الكيان الإفتائى قفزة هائلة ونقطة تحول فى تجديد الخطاب الدينى.