على غرار القول المأثور، مصائب قوم عند قوم فوائد، فالحادث الإرهابى الحقير الذى طال قلب باريس النابض، بشعاع النور، والأمل والتفاؤل وحب الحياة، رسالة قدرية بعث بها للمصريين بصفة خاصة، تقول له عندما يتعرض وطنكم للمخاطر، لا ترضخوا لزيف الشعارات، فلا متعة لهذه الحياة، دون أمن وأمان واستقرار.
انظروا ماذا فعل الفرنسيون شعبا وحكومة، عقب الجريمة، اصطفوا فى خندق واحد، معارضة قبل السلطة، وركلوا كل الصراعات والخلافات السياسية بأقدامهم وبكل قوة بعيدا، والتفوا فقط حول العلم الفرنسى.
قبلوا عن قناعة، فرض قانون الطوارئ، والاعتقالات، والإقامة الجبرية، وسحب الجنسية، والقبض على المشتبه بهم (عرايا) كما ولدتهم أمهاتهم، وساروا بهم فى الشوارع (بلابيص)، وألقوا بهم فى سيارات الشرطة، وأغلقوا المواقع المشبوهة والمحرضة على الإرهاب على الشبكة العنقودية (الإنترنت)، وتحركت الأساطيل فى البحار، وأقلعت الطائرات فى الجو لضرب داعش فى عمق داره (سوريا).
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل أعلنت فرنسا عن بكرة أبيها الحزن على مقتل كلب بوليسى، يدعى (ديزل) يبلغ من العمر 7 سنوات، فى عملية اقتحام الشرطة الفرنسية لضاحية (سان دونى) بباريس، لإلقاء القبض على خلية إرهابية مسلحة.
وجدنا وزارة الداخلية الفرنسية تصدر بيانا رسميا تنعى فيه الكلب (البطل)، كما اهتمت وسائل الإعلام، صحف وقنوات تليفزيونية، بخبر مقتل الكلب، وعمت مواقع السوشيال ميديا موجة من الحزن الشديد، ودشن الفرنسيون يوم الأربعاء الماضى هشتاح باللغة الفرنسية تحت اسم (أنا كلب)، أعربوا فيه عن حزنهم العميق لمقتل الكلب (ديزل)، وأصبح الهاشتاج الأكثر تداولا على مواقع التواصل الاجتماعى وبالقياس على ما يحدث فى مصر، فإن بلادنا ابتليت بنشطاء ونخب ومتثورين، دشنوا لكراهية رجال الشرطة والجيش (البنى أدمين)، وقادوا حملة عداء شديدة ضدهم فى الشارع، واستحدثوا هتاف الخيانة والعار (يسقط يسقط حكم العسكر)، وأظهروا حالة من حالات التشفى والفرح فى استشهاد جنود وضباط الشرطة والجيش، أشرف من فى مصر رغم أنف الخونة والحاقدين.
أمن الأوطان واستقرارها لا تهاون فيها، وتندثر رفاهية الحرية والديمقراطية، والمعارضة فى زمن الحروب، على عكس تماما ما يحدث فى مصر، فالجالسون خلف الكيبورد، من أمثال البرادعى ووائل غنيم وعلاء الأسوانى وممدوح حمزة، وحمدين صباحى، وعمرو حمزاوى وأعضاء حركة 6 إبريل، والاشتراكيين الثوريين، يسكبون البنزين على النار لتزداد اشتعالا، ولا شىء يهمهم، ويشغل حيّزا من اهتماماتهم، بقدر تأليب الناس ضد النظام والجيش والشرطة والقضاء، وإظهار (القطط الفاطسة) فى كل شىء، والبكاء على الحريات، وعودة القمع والديكتاتورية، وهى أشياء غير موجودة إلا فى خيالهم المريض.
هل يدرك المصريون عندما شاهدوا بأنفسهم الدول التى تتغنى بالحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، تتخذ من الإجراءات القمعية والديكتاتورية، ما لا يتخيله عقل، عندما تتعرض لحادث إرهابى، ويتهدد أمنها واستقرارها؟ هل يفطنون لهؤلاء المنظرين الذين يطلقون على أنفسهم نشطاء وخبراء استراتيجيين، ونخبا، ومعارضة، أنهم يكذبون عليهم، ويضللونهم بتجارب الغرب المجيدة فى الحرية والديمقراطية؟ هؤلاء، لا يريدون خيرا لهذا الوطن، ويعملون على إسقاطه من خلال الدعوات المستمرة للثورات والمظاهرات وإثارة الفوضى، وزيادة نزيف الدم فى الشوارع من جديد، كما لا يفطن الإعلاميون المنقلبون لهذه المخططات، ويسيرون خلفهم، ويستضيفونهم فى برامجهم، وكأنهم خبراء فى (العلم اللادونى).
حادث فرنسا، وما استتبعه من رد فعل، درس قاس للمصريين، وصرخة نداء وتنبيه ورجاء، ألا تصدقوا خطابات وشعارات دعاة الفوضى، وكهنة الثورات.