الحقيقة أنها ليست المرة الأولى التى نكتشف فيها هذا العدد المهول من الخبراء. الذين يفهمون فى الاقتصاد والبنوك والدولار والاقتصادات العالمية والسياسية. وهم أنفسهم خبراء السياسة والسياحة والكرة والطاقة النووية والسدود والرى والعلوم والصحة.
ولا مانع طبعا أن يقدم كل صاحب وجهة نظر، هذه الوجهة بشكل واضح ومفهوم، بل نحن بحاجة لأن يخرج من يعرفون ليشرحوا ويفهموا الناس، والأهم هو أن تكون لدى الدولة أدوات تطمئن فئات واسعة تتأثر بهذه القرارات الأخيرة، وهذا هو الأهم. لأنه مهما كانت هناك شروحات لايمكنها أن تخفف آثار الأسعار والحاجة المباشرة للمواطن من طعام وشراب وعلاج.
فقد يحتاج الشخص الذى يتكلم فى الاقتصاد أن يكون عنده فكرة ولو بسيطة حتى يمكنه أن يفتى بطريقة معلومة. لكن ما نراه منذ الطلوع الصاروخى للدولار أمام الجنيه خلال نصف الأسبوع الأول، هو هجمات من خبراء كل منهم يقدم نفسه على أنه الفاهم الوحيد، بينما هو مجرد ناقل يردد ما سمعه أو ماقرأه.
وللحق هناك عدد محدود جدا من الخبراء وسكان مواقع التواصل، يقدمون وجهات نظر يحاولون فيها تفسير ما يجرى، لكن أغلبهم تضيع أصواتهم وسط الضجيج بلا طحن من خبراء «كل شىء والدنيا» المنتشرين فى الأجواء. ممن يحللون من أجل التصفيق أو اللايكات وليس لديهم استعدادا ليسمعوا غيرهم أو حتى أنفسهم.
بالمناسبة فإن ما يجرى ليس مفاجئا، وهو متوقع وتم التمهيد له وإعلانه، ومنه قرار تخفيض الجنيه. والكلام عن أن هناك أزمة اقتصادية وقرارات مؤلمة لضبط أداء الاقتصاد، والفرق بين حجم الاستيراد والتصدير، مع توقف السياحة والاستثمار. لكن فى المقابل هناك عناصر غامضة فى سوق الصرف، وعشوائية وغياب للمعايير تفتح الباب للمضاربة بلا سقف.
إنهاء فكرة السعرين للعملة، حسب كلام الخبراء الموثوقين خطوة تدعم التصدير، لكنها ترفع أسعار المستورد، وتؤثر على أسعار الدواء والسلع الأساسية التى تؤثر بشكل مباشر فى دخول محدودى الدخل. وحسب كلام الخبراء الجادين، يجب فرض سيطرة على تدفق الأموال وفرض دخولها ضمن حركة الأموال بالجهاز المصرفى وليس خارجه. وأهمية فرض رقابة واضحة على السوق.
لأن ترك الأمور بلا قوانين حاكمة، تفتح الباب لمغامرى المضاربة، وأيضا مدعى العلم بلا سبب. ثم أنه يفترض أن يرى الناس نتائج هذه السياسات المؤلمة، ليروا الضوء فى نهاية النفق. الأهم من الـتأييد أو الرفض، هو تعويم الأفكار وليس تعويم الدماغ.