إذا لم نتحرك بسرعة ستترسخ هذه الظاهرة ويصبح هناك سعر للتصويت
انتهى الفصل الأول من الجولة الثانية من انتخابات مجلس النواب بسلام.. من الملاحظات الإيجابية ارتفاع نسبة التصويت عن الجولة الأولى، وعدم رصد أى تدخل للدولة أو أجهزتها المعنية فى العملية الانتخابية، كذلك عدم رصد أى عنف كما كان يحدث من قبل، أيضًا لابد من الإشادة باضمحلال «الطائفية» البغيضة، ووصول عشرين قبطيًا لجولة الإعادة، لكن الظاهرة الخطيرة والمهينة التى تحدث عنها جميع المراقبين والإعلاميين من كل الاتجاهات هى «شراء الأصوات» بشكل معلن و«وقح»، حتى إن بعض وسائل الإعلام حددت سعر الصوت فى كل دائرة!
شاهدت شخصيًا أنصار مرشحين من حزب واحد فى دائرة واحدة من دوائر شمال القاهرة يتشاجرون، لأن أحدهم اشترى أصواتًا أعلى سعرًا مما اتفقوا عليه!
هذه ظاهرة لابد من التوقف أمامها والتصدى لها، لعدة أسباب:
أولًا: لأنها تجعل مجلس النواب المقبل شرعيًا «شكلًا»، لكنه مطعون فى «ذمته» مضمونًا.
ثانيًا: ولوج عدد من هؤلاء «المشترين للأصوات» للبرلمان- مهما قل عددهم- إهانة للعملية الديمقراطية، ولأغلبية الشرفاء من النواب.
ثالثًا: الظاهرة تعكس العجز القانونى تجاه التصدى لهذه الجريمة السياسية، لأننى أعلم أن أكثر من مرشح ذهب لتقديم شكوى، واللجنة العامة أكدت عدم مسؤوليتها إزاء ما يحدث خارج اللجنة، إضافة إلى أن بعض أقسام الشرطة أيضًا رفضت تلقى مثل هذة البلاغات، وكلاهما لديه حججه الوجيهة.
البعد السياسى لهذه الظاهرة نتج لاختفاء البرامج السياسية، وبروز سلاح المال السياسى، حيث ذهب بعض المرشحين لمن يدفع لهم أكثر «شراء المرشحين»، وكانت هناك بورصة للمرشحين كلنا نعلمها، وأغلبنا كتب عنها، كذلك «المال السايب يعلم السرقة»، وبالتالى لم تكن توجد آليات قانونية لضبط الصرف، وجميعنا يمكننا مشاهدة دعاية عشرات المرشحين بالعين المجردة، وبعضها فاق المبلغ المحدد للصرف الذى حدده القانون، ومن ثم نحن أمام ظاهرة خطيرة، لأن المجلس المقبل سوف يضم مثل هؤلاء النواب الذين لم يدخلوا المجلس لوجه الله والوطن، بل لمآرب أخرى «أذرع سياسية لجماعات مصالح مشبوهة»، بالطبع سيكون هؤلاء النواب الأكثر تأييدًا وتهليلًا لسياسات الحكومة، حتى لا يعرضوا أنفسهم للمساءلة، وربما ينضمون إلى كتل برلمانية مساندة للدولة، لكى يجدوا مرجعية سياسية للحماية، لذلك أتمنى على قائمة «فى حب مصر» أو القوائم الأخرى التى ستكوّن ائتلافات برلمانية أن تتحرى عن النواب الذين يسعون للانضمام إليها حتى لا يتسرب إليها مثل هؤلاء الفاسدين، كما أتمنى على كل الأحزاب السياسية أن تجرى تحقيقات على من حامت حولهم الشبهات من نوابها، وتطهر نفسها بنفسها، كما أتمنى على المنظمات التى راقبت العملية الانتخابية أن تخاطب الأجهزة الرقابية والأمنية بأسماء هؤلاء الذين اشترى أنصارهم الأصوات، وأعتقد أن التقارير الصادرة عن تلك المنظمات لابد أن تظهر كل مظاهر تلك الجرائم السياسية، لأن ما حدث يمثل البقع السوداء فى الثوب الأبيض.
هذة الظاهرة تدعونا إلى مخاطبة الأجهزة المعنية بالأمر، والتى لديها أدق التفاصيل أن تعد مشروع قانون يحاصر هذه الظاهرة، لأن المحليات قادمة، وهى التى يبنى عليها عصب الرقابة النيابية من أسفل، وإن لم نتحرك بسرعة وبقوة لمواجهة هذه الظاهرة ستترسخ أكثر فأكثر، ويصبح هناك سعر للتصويت حسب نوعية كل مشروع قانون وسننتقل من جريمة «غسيل الأموال» إلى «غسيل النواب» ثم «غسيل القوانين» ناهيك عن نواب مافيات المخدرات والسلاح والآثار الذين نجح منهم عدد فى مجلسنا المقبل.
إرادة شعبنا فى خطر.. طهارة ثورة 30 يونيو على المحك، اللهم إنى قد بلغت، اللهم فاشهد.