الثلاثاء، 26 نوفمبر 2024 12:14 م
حازم حسين

حازم حسين

لقاء الضباب.. السيدان عكاشة ومرتضى

12/2/2015 1:18:23 PM
قبل 50 سنة سعى جمال عبد الناصر، متوسّطًا بثقله السياسى ورصيده من المحبة فى قلوب طوابير الفنانين المؤمنين بمشروعه الوطنى، لجمع أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب فى عمل واحد، مستنكرًا عليهم تبديد أربعة عقود من العمل والذيوع والإنجاز دون لقاء مشترك، ليتم التعاون بالفعل فى العام 1964 عبر أغنية "انت عمرى"، بكلمات أحمد شفيق كامل وموسيقى عبد الوهاب وحنجرة أم كلثوم، وهو اللقاء الذى احتفت به الدوائر الفنية والسياسية والإعلامية والجماهيرية، واتفق الجميع ضمنيًّا على اعتباره "لقاء السحاب".

فى لقاء موسيقار الأجيال وكوكب الشرق، كان عرّاب المشروع رئيسًا ذا مشروع سياسى ووطنى له ثقله، أيًّا كانت المآخذ والملاحظات عليه، ولبّى اللقاء طموحًا حارًّا لدى كثيرين من فئات وطوائف شتّى، فأسبغوا عليه جميعًا هالة من العظمة، حدّ اعتباره "لقاء السحاب"، إما إجلالاً لقامتى اللقاء أو لمحتواه، فإن لم يكن عبد الوهاب وأم كلثوم سحابتين شاهقتى الارتفاع، فإن لقاءهما ارتقى إلى هامات السحاب وأثمر قطعة بديعة من الألق الأبيض المحمّل بالماء والندى.

اليوم، وبعد 50 سنة تقريبًا من هذا اللقاء، يستعير وجهان سياسيان - حسبما يريان ويصنّفان نفسيهما وإن كنت لا أقرّ لهما بهذين التصنيفين - تعبير الست والموسيقار، لقاء السحاب، مانحين الصفة لنفسيهما، دون وساطة من رئيس أو إعلام أو مستمعين، وربما دون أن تكون القامتان شاهقتين، أو يثمر اللقاء أى سمو.

فى ليلة ذات طابع ريفى مصطنع، احتل الأستاذ مرتضى منصور والأستاذ توفيق عكاشة هواء قناة الفراعين، المملوكة للأخير ووالدته، لمدة ثلاث ساعات متواصلة، مساء السبت الماضى، فى حلقة من فيلا عكاشة فى قرية "ميت الكرماء" بمركز نبروه بالدقهلية، فى مؤتمر انتخابى مقنّع، ودعاية انتخابية ملوّنة، ذُيّلت فيها الشاشة بعبارة "فقرة مهداة من السيدة رئيس مجلس إدارة القناة"، تحايلاً على ضوابط اللجنة العليا للانتخابات والملاحظات المرتبطة بمعدّلات وحدود الإنفاق على الدعاية الانتخابية، خاصة وأن 180 دقيقة تليفزيونية على الهواء مباشرة، وبأدنى سعر فى سوق الإعلانات المصرية، تفوق حجم الإنفاق المسموح به للمرشحين مرتضى وعكاشة مجتمعًا، وبعيدًا عن التجاوزات الفنية المحيطة بآلية الظهور وتكلفته، ومخالفة قرار غرفة صناعة الإعلام بشأن مقاطعة مرتضى منصور، كان المحتوى طوال مدّة اللقاء ضبابيًّا فى رؤاه وأطروحاته، ولكنه كان سافرًا للغاية فى مقصده واتجاهاته.

الأستاذ مرتضى منصور لم يدع اسمًا تقريبًا ممن تكلموا أو تحركوا أو نطقوا أو همسوا أو رمشوا بأعينهم طوال الأسبوع إلا وأسبغ عليه وابلاً من تقريعه الذى يصل إلى حدّ التجاوز فى أحيان كثيرة، وعلى الجانب المقابل لم يبرح الأستاذ توفيق عكاشة موقعه كريفى يجبر الخواطر ولا يردّ الحقوق، وينصر منطق المصطبة على مقتضيات العمل المهنى والإعلامى، ويحب التسالى باللب والمكسرات والبقوليات والدرنيّات، أو بالنميمة وسمعة الناس وأعراضهم، فطالت سهام رئيس مجلس إدارة الزمالك سياسيين وإعلاميين وثوارًا ورجال أعمال، وصولاً إلى رئيس الجمهورية السابق المستشار عدلى منصور، الذى رآه "مرتضى" رئيسًا بالصدفة وسببًا فى كوارث مصر ومشكلاتها، دون أن يلحظ حجم الفوارق الكبيرة بين رجل وضع روحه على كفّه وقبل رئاسة الجمهورية فى وقت حرج، وبين رجل طالته شبهات التورط فى "موقعة الجمل"، حتى حكمت له المحكمة بالبراءة على ضوء الأوراق، وربما سترت الوقائع وأسرار الصدور ما يدعم أحكامًا أخرى، ليعرج من نهش رئيس المحكمة الدستورية إلى النائب السابق لرئيس المحكمة، المستشارة تهانى الجبالى، متّهمًا إيّاها بالفشل وبأنها خريجة حقوق بتقدير مقبول وعملت فى شركة محاماة لضعفها العلمى والمهنى، متناسيًا أنها ارتقت منصة القضاء الدستورى وكان آخر عمل لها، بينما سقط هو عن منصة القضاء قبل ثلاثين سنة، وما زال يسمح لنفسه بالاحتفاظ باللقب حتى الآن وكأنه أثر لحقنة التطعيم فى كتف طفل الابتدائى، ومن المستشارين إلى جمال فهمى وعبد الحليم قنديل ومحمد فتحى وأحمد زكى بدر وآمال ماهر، والقائمة تطول لتضم آخرين من كل الفئات والاتجاهات، وفى كل هذه السهام الطائشة لم يخل الحوار من تبادل عبارات المدح بين السيدين مرتضى وعكاشة، ولم تغادر تصوراتهما عن نفسيهما مربّع الإجلال والتقديس للذات، وكأن لا مرآة على الإطلاق فى مدى أعينهما، وكأنك هويت من "انت عمرى" فى سحائب أم كلثوم وعبد الوهاب، إلى "انت بتهزر"، أو "انت انت ولا انتش دارى"، أو أى عنوان يليق بفاصل كوميدى هزلى يؤديه ممثلان ضعيفا الموهبة وثقيلا الظل من ممثلى مسرح الهواة.

الأستاذ مرتضى منصور هاج وماج وسبّ ولعن وتفاخر وتعملق واشرأب وزمجر ونفخ وانتفخت أوداجه، والأستاذ توفيق عكاشة طبطب "ودلّع" وعمل البحر طحينة على طريقة "النقوط" فى الأفراح الشعبية، وبين شدّ مرتضى وفرفطة عكاشة، تسلّى كثيرون باللقاء وتندّروا عليه، ولكنهم ربما تاهوا عن حقائق الأمور، فاللقاء مخالفة مهنية لقناة الفراعين، ومخالفة مالية لحملتى عكاشة ومرتضى، ومخالفة قيمية لمواثيق الشرف الإعلامى بكل صورها وصيغها، وقبل كل هذا مخالفة صارخة لفكرة الإنسانية والخطاب الإعلامى المتّزن، وعلى هامش سيل الانتقادات والهجوم ربما كان من الأولى أن يقدم الأستاذ مرتضى منصور، المدافع عن القضاء والشرطة والجيش والدولة ومبارك، والقادح فى المعارضين والناقدين، تبريرًا لمحاولته الاعتداء على رئيس مجلس الدولة الأسبق، المستشار سيد نوفل، وقضائه سنة فى السجون على خلفية اتهامه بإهانة هيئة قضائية، بينما يفاخر دائمًا باحترامه لمؤسسات الدولة وفى القلب منها القضاء، ويزايد على الآخرين باتهامات إهانة الدولة ومؤسساتها والانتقاص منها، وعليه أيضًا تبرير تناقضه الصارخ بين سبّه للرئيس السابق وتيهه وهيامه شوقًا وغزلاً فى الأسبق والحالى دون أسباب موضوعية للتجاوز أو الغزل، وربما أيضًا قبل الاقتراب من الوطنية وتصنيف الخصوم والمعارضين لتوجهات السيدين مرتضى وعكاشة، كان على مالك قناة الفراعين وصاحب الشاشة والكاميرا والهواء والفيلا والحفلة و"الدكان" أن يتحدث عن صلة القرابة التى تجمعه بالجاسوس فاروق عبد الحميد الفقى، بطل قضية التجسس الشهيرة المعروفة باسم "قضية هبة سليم"، والذى نُفّذ فيه حكم الإعدام بعد ثبوت تهمة التجسس لصالح الكيان الصهيونى فى حقه.
المؤكد وسط هذه الترّهات التى تملأ الساحتين السياسية والإعلامية، أنه ليس مستغربًا أن يشذّ الخطاب الإعلامى فى بعض متونه وحواشيه، ولا أن تتصدّر الساحة وجوه تتكوّر علامات الاستفهام وتتقوّس لتضع ملامح أصحابها بين مزدوجين، وهم يعلنون امتلاكهم للأجوبة ويتعامون عن كونهم هم أنفسهم أسئلة لا أجوبة لها، الغريب فى كل هذا الزحام أن تجد ظهيرًا من القبول لخطاب ممجوج وخارج على أطر العمل السياسى ومدوّنات العمل الإعلامى، قبول شعبى بالدعم والمساندة والتصويت الحاشد، أو قبول قانونى بالإقرار وترك النوافذ مشرعة على الهواء والبيوت والعيون وأجهزة التليفزيون، أو قبول ضمنى صامت من النخب السياسية والإعلامية، وربما لو تأملنا الصورة قليلاً ندرك أننا فى حاجة إلى هجاء التشوّه بكل آية وبيّنة وموقف، حتى لا نلتقى جميعًا، وفى القريب العاجل، وسط "الضباب" الذى لا انقشاع له ولا بياض بعده.

print