يمين بلا يسار.. أكبر من تأييد ومعارضة
قبل أن تضع الانتخابات كلمة النهاية، خرج السؤال التائه: أين ستكون المعارضة فى مجلس النواب، الذى يستعد للعمل خلال أيام؟ طبعا الكلام عمن سوف يقوم بمعارضة الحكومة وانتقادها ومراقبتها وتفجير الأسئلة وطلبات الإحاطة والاستجوابات. هناك توقع بأن يكون التأييد هو الغالب.
وعلى عكس المتصور، نتوقع أن نرى استجوابات وطلبات إحاطة وصرخات واتهامات تحت القبة منذ الأيام الأولى، ونحن نعرف بالتجربة أن إذاعة الجلسات على قنوات التليفزيون، تصاب بحالة من النشاط البرلمانى تدفع كثيرا من النواب إلى الصراخ، وتقديم فقرات استعراضية لن يفتقدها المواطن، ناهيك عن تصفيات وملفات وخلافات سوف تنعكس على تحركات وكلمات النواب.
مع الأخذ فى الاعتبار أن هناك نوابا فازوا أو مرشحين للفوز لكل منهم مواهب فى الاستعراض وإطلاق الإفيهات، لكن كل هذا ليس معارضة، وإنما أقرب للاستعراضات، التى يمكن أن تضيع الوقت من دون التوصل لشىء.
قد يكون لدينا نواب جاهزون للتأييد الأقرب للاشتياق، لكن القضية ربما لا تكون ثنائية، تأييد ومعارضة، بقدر ما هى أن يصبح مجلس النواب مكانا للحوار والبحث الجاد عن القضايا والحاجات الضرورية التى ينتظر المواطن أن تتحول إلى تشريعات تحل أزمات مزمنة، وأن يتم قراءة وتطبيق الدستور فى زوايا مهمة، كالتعليم والعلاج على الأقل، ورفع مخصصات القطاعات الخدمية، وابتكار طرق جديدة للرقابة والتمويل للحاجات الأساسية، وهى قضايا لا تتعلق بتأييد أو معارضة، وإنما تتعلق بوعى حقيقى يتجاوز الاستعراضات.
اللافت فى التشكيلة الحالية أنها تتضمن إما رجال أعمال أو نوابا يمثلون أحزابا يمينية، تدفع نحو اقتصاد السوق، وهو اتجاه عالمى صحيح، لكنه استقر فى مجتمعات أوروبا مصحوبا بإجراءات اجتماعية واقتصادية تتيح قدرا من العدالة الاجتماعية والمساواة وتكافؤ الفرص، بينما نحن نتحدث عن نظام اقتصادى مختلط بين الاقتصاد الحر والموجه، ولا يوجد اتجاه اقتصادى واضح يمكن وصفه، بالإضافة للاختلال الاجتماعى.
القضية ليست التأييد والمعارضة داخل مجلس النواب، وإنما تمثيل المصالح، وأى برلمان فى العالم يقوم على توزان المصالح فى المجتمع، وهو ما يبدو غائبا فى مجلس النواب الحالى، حيث الغلبة لرجال الأعمال، ومن يمكن تصنيفهم على الاقتصاد الحر، بينما يغيب ممثلو العمال والفئات الاجتماعية الأضعف، وحتى ما كان معروفا بممثلى العمال والفلاحين، الذى تم التلاعب بها، وإنما هؤلاء الذين يمكن أن يمثلوا اليسار ببرامجه الاجتماعية والاقتصادية.
نحن أمام أكثر من 100 حزب سياسى تشكلت أغلبها خلال السنوات الأربع الماضية، من الصعب التفرقة بين حزب وآخر أو بين اليمين واليسار، و الأحزاب التى تمثل مصالح الفئات الأوسع والأضعف من يمثل الفلاحين والعمال والموظفين والعاطلين؟
والتركيبة أقرب لتركيبة اقتصادية واحدة من الأحزاب الليبرالية، ناهيك عن بقايا الحزب الوطنى، والمستقلون أغلبهم ينتمون إلى نفس الفريق، دون أن تكون لدى أى منهم اتجاهات اقتصادية أو اجتماعية. مع الأخذ فى الاعتبار أن القوى التى تمثل المطالب الاجتماعية والتى تجتمع عادة تحت راية اليسار غير ممثلة فى مجلس النواب.
وهو ما يمثل خللا أكبر من مجرد تأييد ومعارضة، ويمكن أن نرى من يطالبون بقوانين الاستثمار من دون منافسة، أو حوافز من دون مراعاة لحقوق العمال، والاحتكارات، وكيف يمكن توفير الضمانات الاجتماعية، أو تخفيف تأثيرات البطالة على شباب يواجه الضياع، وهو خلل يهدد البنيان الاجتماعى.
يعنى السؤال: مين هيعارض مين فى مجلس نواب يفتقد توازن المصالح؟