لم يشهد مجلس الشعب المصرى على مدار تاريخه جلسة أعنف ولا أكثر سخونة من تلك التى جرت أحداثها فى الـ 20 من فبراير لعام 1987، حينما تقدم 4 من نواب المعارضة فى ذلك الوقت هم: الشيخ "صلاح أبو إسماعيل، والصحفى مجدى أحمد حسين، ومختار نوح، والنائب الوفدى على سلامة"، بـ 4 استجوابات لوزير الداخلية "ذكى بدر" حول التجاوزات التى ترتكبها الأجهزة الأمنية، تحت ستار استخدام قانون الطوارئ.
وأذكر أننى كنت فى ذلك التوقيت متابعًا أحداث الجلسة داخل مقر نقابة الصحفيين القديمة، حيث كنت أتوقع ألا يمر الاستجواب بسلام، خاصة أن وزير الداخلية "ذكى بدر" فى ذلك الوقت، كان يعد الوزير الأقوى فى الحكومة الدكتور عاطف صدقى، وكان الجميع يخشون الاقتراب منه، نظر لشخصيته العنيفة، ولسانه الحاد الذى كان يستخدمه لقمع المعارضين، وتوجيه الاتهامات والشتائم لكثير من رموز العمل العام.
ورغم أن الجميع توقعوا أن تمر الجلسة بشكل عادى، كغيرها من جلسات مجلس الشعب، التى كان يدرها فى ذلك الوقت رئيس المجلس الدكتور (رفعت المحجوب)، الذى كان معروفًا بحكمته وحنكته واحترافيته، التى جعلته مشهودًا له بتوجهه الحوار إلى الطريق يرغبه، والذى غالبًا ما كان يتماشى مع هوى السلطة.
إلا أن الجلسة جاءت عاصفة كما توقعت.. فقد فاجأ وزير الداخلية النواب والشعب، وبدأ حديثة بهجوم شديد على فؤاد سراج الدين، وزير الداخلية الأسبق ورئيس حزب الوفد فى ذلك الوقت، وبدأ فى قراءة تفريغ لحوار مسجل، دار بين "أيمن نور" الذى كان يعمل فى ذلك الوقت صحفيًا بالوفد، والصحفى (مصطفى بكرى) تناول خلاله عبارات تمس شخص سراج الدين ومديرة منزله السيدة (ليلى المغازى)، وبشخص مقرب يدعى (إسماعيل)، وعندما ثار الشيخ صلاح أبو إسماعيل، عنفه الوزير متهمًا إياه بالمتاجرة فى العملة.. واستمر فى التطاول على رئيس حزب الوفد، عارضًا شريطًا اتهم فيه أيمن نور، الذى وصفه بأنه (واد طرى) بفبركة موضوعات صحفية تتعلق بتعذيب وزارة الداخلية للمعارضين، عرض صورًا تؤكد ذلك.
واستمر بدر وسط اعتراض الأعضاء فى قراءة تفريغ شريط أيمن نور، قائلًا: إن الأمن حصل عليه من أحد المصادر، لم يفصح عن اسمه؛ ما أثار النائب مصطفى برهام، وقام منفعلًا قائلًا: دا كلام فارغ.
فقال زكى بدر: الموضوع يمس رئيس الحزب شخصيًا.
فوقف النائب على سلامة منفعلًا وقال له: دا كلام فارغ.
فرد بدر: سيبنى أقولك كل حاجة على فؤاد سراج الدين.
فرد على سلامة عليه قائلًا: متقدرش تقول حاجة.. وترك مكانه فى مقعد النواب متجهًا نحو الوزير محاولًا إسكاته.
فقال له الوزير فى حدة: اقعد يا على.
فرد عليه على سلامة، وسط اعتراض من الأعضاء: بتقولى يا على!!.
فرد الوزير: اقعد يا على بيه.. سيبونى أقول عشان الصحافة وباقى الحديث خطير ويمس رئيس الحزب شخصيًا وأسرته.
وثار النائب مصطفى برهام قائلًا: وزير بذئ.. وهاج الوزير والأعضاء كل يعترض على الآخر.. ما دعا الدكتور رفعت المحجوب إلى التدخل قائلًا: نكتفى بهذا القدر.
وصاح النائب مصطفى برهام: هذا كلام بذئ، وكلام فارغ.
وهنا ترك طلعت رسلان مقعده مندفعًا نحو الوزير فى انفعال شديد، واتجه إلى المنصة وأمسك بكتف الوزير وصفعة على وجهه، قائلًا: إخرس يا كلب، مما دعا الوزير إلى رد الصفعه للنائب والانحناء سريعًا وخلع حذاءه فى محاولة لضرب النائب.. إلا أن تدخل الأعضاء حال دون تطور الموقف.
فى الوقت الذى ساد فيه قاعة المجلس حالة من الهرج والهمجية، مما دفع رفعت المحجوب إلى التدخل سريعًا قائلًا: اخرجوا هذا العضو خارج المجلس.. اخرجوا هذا العضو خارج المجلس.. نحن مستمرون.. نحن مستمرون.
وحاول المحجوب تهدئة الأعضاء والسيطرة على الجلسة، إلى أن أغلق باب المناقشة بموافقة الأعضاء.
وانتهى الأمر بتحويل النائب طلعت رسلان إلى لجنة القيم، وتم طرح إقالته فى جلسة عامة، وقرر المجلس ـ فى سابقة كانت الأولى من نوعها فى تاريخ مجلس الشعب المصرى ـ رفع الحصانة عنه وإقالته من المجلس.
ولم تلتفت السلطة فى ذلك الوقت إلى تاريخ الرجل، وتم التعامل معه فقط على أنه ضد النظام، على من تاريخة المشرف، الذى مكنه من تمثيل الدائرة الأولى بالزقازيق فى البرلمان خلال الفترة من 1980 إلى 1995، إلى جانب أنه كان عضوًا فاعلًا وصاحب مواقف مشرفة تحت قبة البرلمان، حيث كان ضمن عدد من المعارضين صوتوا ضد اتفاقية كامب ديفيد، والذى حل الرئيس السادات المجلس بسبب معرضاتهم لتلك الاتفاقية، وعندما صدر قانون العزل وتجميد نشاط الوفد، احتفظ بانتمائه إلى أن عاد حزب الوفد الجديد عام 1984 وخاض انتخابات مجلس الشعب عام 1986.
توفى النائب طلعت رسلان فى 29 من يونيو عام 1998 بعد أن حياته مليئة بالكفاح والوطنية.
رحمة الله على طلعت رسلان وكل النواب الشرفاء الذين رحلوا عن عالمنا وعملوا لصالح الفقراء، دون الاستفادة الصلاحيات الغير محدودة للحصانة.