نتحدث فى كل القضايا الكبرى ببراعة، لدينا عشرات المحللين والمحرمين والمتكلمين والساخرين يفتون فى كل شىء عن البحث العلمى، والتقدم والتكنولوجيا.
وفى السياسة عن أفضل أشكال السلطة، والحكم والانتخابات، والصناديق.. لدينا نظريات فى السياسة وآراء فى الاستثمار والاقتصاد، كل هذا ونقف عاجزين أمام مشكلة تراكم القمامة، وتكدس الصرف الصحى، وعندما نفشل فى إدارة وتنظيم مخلفاتنا ومرورنا، يصعب تقبل الحديث والتحليل عن القضايا الكبرى، لأن الهدف من كل هذا هو تيسير حياة المواطن وشعوره بالرضا.
وحتى ما يتصل بالاستثمار الأجنبى والخارجى والداخلى أو السياحة، فهى قضايا تتعلق بعوامل دولية وإقليمية وعناصر مختلفة، لكن ما يبقى محليا يتعلق بنا وبحياتنا وهو كيف نتخلص من فضلاتنا، ونستفيد مما يمكن الاستفادة منه، أو نعيد استخدامه.
ولا مانع من مناقشة القضايا الضخمة، «انتخابات، قائمة، وفردى، استثمار، سياحة»، لكن يبقى كل هذا بلا قيمة طالما نقف عاجزين أمام المخلفات، أو فاشلين فى تنظيم المرور.
ونعجز عن التحاور حولها وهى قضايا لا يختلف حولها من اعتادوا الاختلاف حول باقى القضايا الكبرى، فلن تجد من يرفض تنظيم المرور أو تنظيف الشوارع، ومع هذا نجد جدلا «البيضة ام الفرخة» وما إذا كانت هذه مهمة الدولة بحكومتها وسلطاتها فقط، أم أنها مسؤولية مشتركة، لأننا نسمع دائما «دا شعب ما ينفعش معاه حاجة.. أو النظام فاشل».
والتفاصيل الصغيرة هى التى تصنع الفرق بين دولة محترمة ودولة فاشلة بما فيها الشعب والحكومة والسلطة وكلهم. مثلا تكلمنا عن ظاهرة فرض غرامة 500 جنيه على المحل فى وسط البلد الذى لا يضع سلة قمامة أمامه، والتزام أصحاب المحلات بوضع السلال، وتحققت معادلة النظافة.
فيما يخص الركنات الغلط فى وسط البلد، حيث تقوم شركة بكلبشة السيارات المخالفة بالاشتراك مع المحافظة، وتم فرض نوع من الالتزام نهارا وفى المساء تعود نصف فوضى.
فى بداية الألفية تعاقدت المحافظة مع شركة لتنظيم ركن السيارات بجوار الرصيف بكروت وحواجز آلية نجحت التجربة لأن المواطن كان يصف سيارته بنفسه، ويتم الخصم من الكارت فى كل مرة حسب المدة، وبالرغم من مشكلات الخصم والزيادة، كان المواطن يعرف أنه يدفع للحكومة أو جهة معلومة، على عكس ما هو حادث الآن فى أماكن كثيرة تتحول إلى استغلال وفرض إتاوات.
بالطبع على السلطة إذا كانت تريد تنظيم المرور أن توفر أماكن للركنة. أيضا بالنسبة لتجربة الإشارات والكاميرات الإلكترونية فى وسط البلد والكورنيش نجحت لشعور الناس أن الأمر ليس فيه مجاملات ولا سلطات، إشارات تفتح وتغلق بتوقيت كاميرات تلتقط المخالف.
الفكرة نجحت، وبالمناسبة فهذا ليس اختراعا، وهو معمول به فى كل دول العالم، والدول العربية بالخليج أصبحت مضرب المثل فى هذا.
نجحت عمليات إزالة الإشغالات بوسط البلد وحلوان، والكاميرات لا تزال مجرد تجريب لا يتم تعميمه بعيدا عن الشوارع الكبرى.
باقى أحياء القاهرة والجيزة تغرق فى الفوضى. والمحافظات والمراكز والمدن والقرى، وكأن كل حى ينتظر أن ينزل الرئيس ورئيس الوزراء ليحل أزماته ويفك الاشتباكات.
ومن ناحية أغلبية المواطنين يسدد ما عليه، وطالما وجد صناديق قمامة لن يلقى على الأرض. ويلتزم فى المترو، يعنى القاعدة موجودة، والمهم أن يطبق القانون بلا استثناءات أو مجاملات.
ولا مانع من نظريات عن السلطة والحكم، بشرط أن نكون قادرين على إدارة وتنظيم مخلفاتنا.
وبالتالى ما لم يقودنا صندوق الانتخابات إلى تنظيم صناديق القمامة، والمرور والإشغالات والفوضى، يبقى بلا قيمة.
ودور السياسة والانتخابات اختيار أفضل من يديرون القضايا اليومية والمستقبلية.