عظمته تكمن فى التقريب وليس التفريق
حتى الآن لا أعرف من هم الجهابذة فى مشيخة الأزهر الذين يقفون وراء تنظيم مسابقة للطلبة الوافدين حول موضوع «نشر التشيع فى المجتمع السنى، أسبابه، مخاطره، كيفية مواجهته»، ولن تكون هذه المسابقة مجانية، وإنما مدفوعة الثمن بجوائز مجموعها 42 ألف جنيه، يحصل المركز الأول على 5 آلاف جنيه، والثانى 4 آلاف جنيه، والثالث 3 آلاف جنيه، وتخصيص 10 جوائز بقيمة ألفى جنيه، وعشرة بقيمة ألف جنيه.
هكذا نجد من يريد للأزهر الشريف أن يهدم قيمته الدينية والتاريخية المضيئة، فبدلا من أن يكون مؤسسة تقريب، يصبح مؤسسة تفريق، والحالة الأخيرة هى التى تسعى إليها قوى الشر التى تخطط لجعل المنطقة كتلة لهب تشتعل بالحروب الطائفية والمذهبية، بما يعنى أن يكون المسلمون والمسيحيون على عداء دائم، والمسلم السنى عدوا للمسلم الشيعى، ويحدث ذلك كله وسط أمان بالغ لإسرائيل، فبدلا من أن تكون عدونا الحقيقى، تكون هى الصديق، وإيران هى العدو. بالطبع هناك أهداف لإيران ومشروعها السياسى الذى يريد الهيمنة على المنطقة، لكن إذا كان هناك مخطئ فهو نحن العرب، فضعفنا يغرى الآخرين ضدنا، ومنذ التخلى عن مشروعنا القومى الجامع وجدت كل الأطراف الإقليمية ومنها إيران فرصتها فى التمدد وخلق مراكز نفوذ لها فى أكثر من بلد عربى، وعليه فإن إدارة الأمور مع إيران يجب أن تقف على أرضية سياسية وليست دينية، وبالطبع حبذا لو جرى تعظيم ما يجمعنا من أجل مواجهة إسرائيل، فهى عدونا مهما مرت الأيام وتبدلت الأولويات.
الحديث عن دور الأزهر فى العلاقة بين السنة والشيعة لا يخلو من محطات مشرقة، ووفقا لكتاب «عبدالناصر والإخوان بين الوفاق والشقاق» لمؤلفه سليمان الحكيم، يقول المستشار الدمرداش العقالى الذى كان أحد أبرز أعضاء الجهاز السرى لجماعة الإخوان فى أربعينيات القرن الماضى، ثم استقال من الجماعة، والمعروف أنه كان نائبا برلمانيا لعدة دورات: «لما قامت ثورة 23 يوليو 1952، وجاء عبدالناصر، كلف الشيخ أحمد حسن الباقورى ببحث إمكانية تدريس الفقه الشيعى الجعفرى بالأزهر كمذهب إسلامى خامس، بعد أن كانت الدراسة بالأزهر تقتصر على المذاهب السنية الأربعة المعروفة، وقامت وزارة الأوقاف المصرية بطبع بعض الكتب التى تعرف بالمذهب الشيعى على نفقتها، ومنها كتاب «المختصر النافع فى فقه الإمامية» لأبى القاسم الحلى، وكانت وزارة الأوقاف تبيع هذا الكتاب على ضخامته بخمسة قروش فقط، وهو ما يعنى أن ثمن رمزى بالقياس إلى عدد صفحاته التى تبلغ أكثر من 400 صفحة، وقد كتب له المقدمة الشيخ الباقورى يشيد فيه بالفقه الشيعى، وينعى على الأمة أن تعبر الفجوة بين السنة والشيعة، وأن تقدم للقارئ المصرى والسنى عموما كتابا فى الفقه الشيعى».
فى عام 1960 وجه جمال عبدالناصر الدعوة لعلماء المسلمين من المذاهب الثمانية وليس الأربعة، لحضور مؤتمر علماء المسلمين بالأزهر، فانعقد المؤتمر، ومثل فيه الشيعة الجعفرية من إيران، والأباضية من عمان، والزيدية من اليمن، والظاهرية فى الجزائر، وكان ذلك لأول مرة فى التاريخ الإسلامى قديمه وحديثه، وفوق ذلك صدرت فى عهد عبدالناصر موسوعة الفقه الإسلامى، وهذه الموسوعة حسب العقالى: «تعيد الدماء إلى الفقه والاجتهاد فيه بعد أن كانت أبوابه موصدة لعدة قرون طويلة مضت».
الأزهر فى هذه المحطة التى يذكرنا بها «العقالى» هو الحالة التى نريدها، وليس حالته فى المسابقة المذكورة، فعظمته تكمن فى التقريب وليس التفريق، وتعبئته للجهود من أجل توجيه الطاقات إلى العدو الحقيقى للإنسانية وللسنة والشيعة، وهذا العدو هو إسرائيل.