لندن وظفت علاقتها مع المتأسلمين بتجنيد مرشدين أستكمل الحديث الذى بدأته أمس عن العلاقة التاريخية بين بريطانيا وعلاقاتها مع جماعة الإخوان والجماعات الأصولية، وذلك بمناسبة مناقشة مجلس العموم البريطانى لتقرير لجنة التحقيق البريطانية حول تواجد عناصر من الإخوان والجماعات الأخرى على أراضيها.
استند فى رصد هذه العلاقة على كتاب «التاريخ السرى لتآمر بريطانيا مع الأصوليين»، الصادر عن «المجلس الأعلى للثقافة» تأليف «مارك كويتس» وهو كاتب ومستشار، وعمل زميلا باحثا فى المعهد الملكى للشؤون الدولية، ويعتمد الكاتب على الوثائق البريطانية المرفوع السرية عنها خاصة وثائق وزارة الخارجية والمخابرات.
يأتى الكتاب بما ذكره رئيس الوزراء البريطانى الأسبق «تونى بلير» فى أغسطس عام 2006 فى خطاب أمام مجلس الشؤون العالمية فى لوس أنجلوس، ويتوقف عند قوله: «إن بريطانيا وأمريكا يتعين عليهما أن يشرعا فى تمكين الإسلام المعتدل من أسباب القوة»، ويرى المؤلف أن «بلير» أراد من هذا القول التأكيد على قول آخر هو: «إن بقاء الهيمنة الغربية فى العالم يعتمد على انتصار الإسلام المعتدل الحليف للغرب فى وجه صعود الصين وغيرها من البلدان الناهضة».
ويتحدث الكتاب عن أن المرحلة الجديدة لبريطانيا التى تقضى بتمكين الإسلام المعتدل، تظهر فى سلسلة من الوثائق البريطانية الحكومية من عام 2004 إلى 2006، وتسربت إلى صحيفة «نيوستا تسمان» فى مطلع 2006، وترتبط جميعها بموضوع مشترك هو، أن فى العالم الإسلامى توجد عادة قوى معارضة قوية يتعين على بريطانيا أن تعمل معها خاصة الإخوان، والشاهد على ذلك ما جاء فى مذكرة مشتركة بين وزارتى الداخلية والخارجية بتاريخ يوليو 2004 تدور حول موضوع «العمل مع الجالية الإسلامية فى بريطانيا»، قالت هذه المذكرة: «إن الحركة الإصلاحية يمكن إرجاعها إلى «الإخوان المسلمين» فى مصر و«الجماعة الإسلامية» فى باكستان.
يذكر الكتاب وقائع الاتصالات السرية التى أجرتها المخابرات البريطانية عبر سفارتها فى مصر مع جماعة الإخوان منذ عام 2001، ويقول المؤلف: «ما تفعله بريطانيا مع الإخوان كان لتأمين نفسها لمرحلة قد يتغير فيها نظام مبارك»، ومع الأخذ فى الاعتبار أن الكتاب تم تأليفه قبل ثورة 25 يناير، فإنه يضيف: «مستقبل مصر محفوف بالشكوك بعد وفاة مبارك أو سقوطه، وإذا ما كانت ستنشب ثورة أم لا؟، فالإخوان يستطيعون القيام بدور فى الحكم والانتقال، وفى ضوء التحديات التى تواجهها بريطانيا ومصالحها فى الشرق الأوسط، فإن قيام نظام فى القاهرة خارج عن مجال نفوذ بريطانيا سيمثل بوضوح كارثة لها».
يأتى الكتاب بمذكرة للسفير البريطانى فى القاهرة «بلمبلى» رفعها إلى حكومته فى «لندن» فى يونيو 2005، يقول فيها: «إن الحديث للمتأسلمين قد يكون مفيدا، حيث إننا قد نحصل على معلومات، وتلك سياسة تتسق مع الاستراتيجية البريطانية التى تقضى بتجنيد المتطرفين ليعملوا مرشدين» ،يؤكد المؤلف على أن بريطانيا واصلت ما بدأته فى الخمسينيات والستينيات من القرن الماضى بتعاملها مع الإخوان على أنها مصد للقوى القومية المعارضة فى مصر والمنطقة، مثل حركة «كفاية» التى ظهرت عام 2004 لتحدى نظام مبارك، ويرى المؤلف من ذلك أن بريطانيا تعاملت مع المتأسلمين على حساب دعم المجموعات الأكثر ليبرالية، والدليل أنه حتى عام 2010 لم يرد ذكر لحركة «كفاية» فى البرلمان البريطانى، أو على موقع وزارة الخارجية فى الشبكة العنكبوتية، وذلك دليل على مدى بعد هذه الحركة عن شاشات رادار السياسة البريطانية التى رأت أن «الإخوان سد منيع أمام أى تغيير وطنى أكثر شعبية فى مصر والمنطقة». هكذا مضت علاقة بريطانيا مع التيارات المتأسلمة، توظفها «لندن» لصالح أطماعها فى مقابل السماح لرموزها بالعيش على أرضها، وواصلت هذه السياسة دون أدنى اعتبار للإرهاب الذى تمارسه هذه الجماعات ضد دول المنطقة، غير أنها تفتح هذه المسألة الآن بعد خطر الإرهاب الذى انتقل إلى أوروبا، فهل يحاسب أحد بريطانيا على ما فعلته؟