الجمعة، 22 نوفمبر 2024 02:01 م
سعيد الشحات

سعيد الشحات

توت ونبق «أبوعيطة»

12/24/2015 11:11:36 AM
كنت أسير مع المناضل المحترم الشريف كمال أبوعيطة على الطريق الرئيسى فى قريتنا «كوم الآطرون – طوخ – قليوبية»، وبينما نتبادل الكلام والحكايات، استوقفنى فجأة: «إيه حكاية شجر الفيكس فى بلدكم، كل الطريق شجر فيكس، كل البيوت شجر فيكس، فين شجر التوت؟ فين النخل العالى؟ فين شجر النبق؟ معقولة يا جماعة تقلعوا الشجر المثمر ده، وتزرعوا شجرة مفيش منها أى فايدة؟ فين دوركم فى توعية الناس؟».

شد «الغرقان فى حب مصر» كمال أبوعطية انتباهى، نظرت إليه فوجدته يحدثنى كما لو كان يمارس دوره فى قيادة مظاهرة لعشرات الآلاف يرددون وراءه هتافاته ضد الظلم والاستبداد، ومع الفقراء والمطحونين، لم ينتظر تعليقى وواصل: «شجرة التوت كلها نعم من عند ربنا، ضلها ستر للغلبان اللى عايز يرتاح تحت ضلها فى عز حر الصيف، وثمرتها طعمها جميل يأكل منها أى حد ماشى، وورقها أكل لدودة الحرير، يعنى هى ملكية عامة للغلابة، ازاى بعد ده كله أهلنا الفلاحين يفضلوا عليها شجرة الفيكس اللى ملهاش أى فايدة، شجرة عاملة زى الزينة البلاستيك، وكأن حد قاصد أنه يخرب الريف بها».

كان «كمال أبوعيطة» يتحدث عن الريف الذى لم يعد كما كان، ريف النبق والتوت والجميز والنخل والبرنوف والخروع والسنط، ومياه الترعة التى يروى منها الفلاح أرضه ويرتوى أحيانا منها فيؤكد نظافتها، كان الفلاح يشرب هكذا هانئا مطمئنا، فتخيلوا كيف سيكون حال الثمار بنظافتها وطعمها وقيمتها الغذائية التى سيجنيها من زرعته؟ هكذا كان الريف معززا ومكرما بإنتاجه وشجرة التوت من رموز خيراته، وهكذا أصبح مهملا، وشجرة الفيكس من دلائل إهماله وخرابه، وهكذا أخذنى كمال أبوعطية إلى حنين لأيام مضت، بتنبيهى لأشياء هى عابرة للآخرين، لكنها عنده دليل على ما هو أعمق، دليل على الحب والحق الخير والجمال الذى يناضل هو من أجلهم، ويدفع ثمنا قاسيا لهم، ومنذ أن عرفه الناس مناضلا صلبا قويا وحتى أصبح وزيرا بقى كما هو، لم يتغير، ولم يتبدل.

أتذكر هذه القصة كلما سرت فى أى ريف مصرى فأرى ما رآه كمال أبوعيطة فى قريتى وأغضبه، وتذكرتها مع مزاعم اتهامه بالفساد المالى التى قيلت فى الأيام الماضية، وهى المزاعم التى تعبر عن حقيقة أن هناك من يريدون تشويه قامة محترمة ونظيفة وشريفة ارتبط اسمها بالعطاء الدائم دون الحصول على مقابل، فمن يظن بـ«كمال أبوعيطة» مثل هذا الظن هم الذين صنعوا الخراب فى كل قرية مصرية، وهم الذين يريدون لحياتنا ومستقبلنا أن تكون كشجرة الزينة البلاستيك، وشجرة الفيكس التى لا تحمى من حر الشمس، هم الذين باعوا مصانعنا وأرضنا بأبخس الأثمان بينما يفضحهم «كمال» بلا هوادة، هم الذين يشقون طريقهم إلى السلطة بالتطبيل والنفاق، بينما هو يبقى مؤذنا لفجر العدالة والديمقراطية وحقوق الإنسان ورافضا لأى حاكم ينحرف عن ذلك.

لم يكن حديث كمال أبوعيطة معى عن شجر الفيكس والتوت والنبق والجميز، حديثا عابرا، وإنما دليل أكيد على أن همه الدائم هو البحث عما يحفظ أصالة بلده، وعما ينميها حتى تدخل إلى مستقبل مزدهر، ولأنه طاقة صدق لا تهدأ ولا تنضب كان الغضب هائلا وسريعا ممن ظنوا به ظن السوء، وتصوروا أنهم بمقدورهم أن يشوهوا سمعته، فعل هؤلاء فعلهم ونسوا أن محبة الناس لكمال هى من محبة الله له.

كتبت قبل يومين عن «كمال» فى مواجهة المزاعم التى قيلت ضده، ولا أقول دفاعا عنه لأن نظافة ذمته وشرفه وطهارته بديهيات ترتبط بشخصه وسلوكه، وأجدد الكتابة عنه مرة ثانية، فإذا كان الدفاع عن آخرين يستوجب الكتابة مرة وأخرى أحيانا، فإن الكتابة عن أبوعيطة عشرات المرات هى بمثابة فرض على كل من يريد لهذا البلد أن يسوده العدل والأمل فى المستقبل.

الأكثر قراءة



print