الثلاثاء، 26 نوفمبر 2024 02:07 م
محمد الدسوقى رشدى

محمد الدسوقى رشدى

«العصافير» كوسيلة للهروب من فوضى الأداء الاقتصادى

10/16/2015 1:03:33 PM

الحكومة يجب أن تعترف بفشلها فى القضاء على السوق السوداء للدولار مما تسبب فى الأزمات الاقتصادية أنت تعرف لعبة «بص العصفورة»، ابتعد عنها، لم تعد مجرد لعبة، بل أصبحت خطرا عليك وعلى المستقبل والوطن، إن أغروك بالنظر لا تنظر وإن ألحوا عليك بالتطلع وأصابك ضعفا فاجعل لمؤخرة رأسك عينا أخرى تغنيك عن تلك التى شغلها فضول البحث عن العصفورة.

 

 لا تنظر إلى العصفورة، جمال العصفورة يشغل بالك عن ما هو أهم.. وإن سقطت فى الفخ ونظرت، فلا تطيل النظر، «بصة» واحدة سريعة إلى العصفورة ثم عد مجددا لمتابعة ما هو أهم، وما أرادوا أن يشغلوك أو ما سعيت أنت لتشغل نفسك عنه بالتافه من أمور.

 

تسقط أنت فى فخ الانشغال عن القضايا المهمة بسهولة منبعها رغبتك فى الهروب من الواقع الصعب، أو يدفعك إليها من يريد لك خروجا من ساحة المراقبة الشعبية والمشاركة فى تسيير مراكب هذا الوطن، تجد نفسك محاطا بجدل حول معركة السبكى والإبراشى والألفاظ الخارجة، وطلاق روبى وسامح، وخناقة مرتضى منصور ومحمود طاهر، وألعاب أحمد موسى فى الفيديو جيم، وخناقة يارا ناعوم والمعجبات على عماد متعب، وتنظر إلى كل هذه العصافير وتنشغل عن ما هو أهم.

 

والأهم هنا عدة أخبار توالت بلونها الكارثى الأسود خلال الفترة الماضية ولم تجد الاهتمام الكافى من الرأى العام المصرى، لا بالبحث ولا بالدراسة ولا حتى على مستوى الطرح والنشر والنقاش، ففى الوقت الذى انشغل فيه الجميع تليفزيونيا وصحفيا وعلى المقاهى وعلى مواقع التواصل الاجتماعى بمشهد حذاء شيرين فى برنامج «ذافويس» كان خبرا كارثيا يمر من أمام العيون دون أن يلحظه أحد رغم أنه يخبرنا بمصيبة محققة ملخصها أن 4 مصانع عملاقة للغزل والنسيج تم إغلاقها فى مصر هى مصانع مصر العامرية ومصر إيران وفستيا وبوليفارا، ليبدو الأن مضحكا وأنت تشاهد وطنا يحدثك عن النهضة والتقدم والحاجة إلى المال بينما أهله وقادة رأيه مشغولون بحذاء شيرين واعتذارها.

 

 وفى الوقت الذى كان الجميع فيه مشغولا فى تتبع المنتصر فى معركة رئيسى النادى الأهلى والزمالك، ومن أطلق تصريحا ساخنا ضد الآخر كانت الأخبار السوداء تسير أسفل أقدامنا دون أن يتوجع أحد رغم أنها تترك لنا ملخصا كارثيا يقول بأن أدوية أمراض الدم بدأت تختفى من السوق بسبب أزمة الدولار وأن حوالى 20 مليون مواطن مصرى مصابون بأمراض الدم المختلفة، يواجهون كارثة حقيقية، بسبب النقص الحاد فى أدوية هذه الأمراض، التى يتم استيرادها من الخارج، وتوقف معظم شركات التوريد، عن إمداد القطاع الخاص والعام، باحتياجاته من الأدوية نظرا لأزمة الدولار، وقالت الدكتورة هالة عدلى حسين، رئيس شركة خدمات نقل الدم، إن هناك عجزا كبيرا فى هذه الأدوية لأن شركة خدمات نقل الدم، لا يتوفر بها إلا أعداد ضئيلة من هذه الأدوية، من بواقى التعاقدات السابقة مع الشركات الأجنبية.

 

 وفى الوقت الذى كان أغلب الجمهور المتحمس مشغولا بمتابعة عصفورة الألفاظ القبيحة للسبكى والإبراشى على الهواء مباشرة كان خبر أسود يطرق الباب وأغلب الظن لم يسمعه أحد رغم تأكيده المستمر على خطورة الموقف بعد انخفاض صادرات مصر «غير البترولية»، خلال التسعة أشهر الأولى من العام الحالى، بنحو %19.2، مقارنة بنفس الفترة من العام الماضى، لتصل إلى 17.2 مليار دولار، وفق تقرير مستودع بيانات التجارة الخارجية بوزارة التجارة والصناعة.

 

وفى الوقت الذى سقط فيه أغلب الجمهور المتعطش لكل ما هو حديث جنسى فى مستنقع هرتلات انتصار الباحثة عن شهرة لبرنامج وليد كان تقرير البنك المركزى الرسمى يصدمنا بمعلومات أهم بكثير من أفلام انتصار الإباحية لأنها تخص مستقبل وطن لا مستقبل شهوات مرضى نفسيين ومكبوتين يملأون أرض الوطن، وقال التقرير إن رصيد الدين الخارجى، ارتفع بنهاية السنة المالية 2014-2015 بمقدار 2 مليار دولار ليصل إلى 48.1 مليار دولار، وذكر المركزى أن إجمالى رصيد الدين العام المحلى بلغ نحو 2.016 تريليون جنيه بنهاية مارس الماضى منها %88.3 مستحقة على الحكومة و%0.3 على الهيئات الاقتصادية العامة و%11.4 على بنك الاستثمار القومى.

 

 وفى الوقت الذى كان بعضهم مهموما بمباراة الغيرة بين زوجة عماد متعب ومعجباته كانت الحكومة تخبرنا بأنها ستلجأ للاقتراض من البنك الدولى ووزير المالية يؤكد أنه سيصدر سندات مالية بـ10 مليارات دولار دون أن يشعر أحد بالخوف أو الغيرة على مستقبل أولاده الذى سيحمل بالديون.

 

 مؤشر اهتمامات المصريين يسير فى اتجاه، ومؤشر اقتصاد المصريين يسير فى اتجاه معاكس، مؤشر القضايا الأكثر جدلا يوحى بأننا نعيش حالة من رفاهية الجهل والوقت والمال، بينما مؤشر قضايا الاقتصاد التى لا تحظى بالاهتمام تقول بأننا نعيش وضعا صعبا يحتاج إلى إدراك وفهم ووعى لتجاوزه، ويحتاج إلى تقشف حكومى وأهلى لعبوره، ويحتاج إلى الحرص على كل دقيقة ومنعها من ألا تضيع هباءً فى معارك جانبية يصنعها إعلاميون أو سياسيون من أجل صالحهم الخاص.

 

 الحكومة المصرية قبل السائرين فى الشوارع من أهل الوطن عليها أن تدرك ذلك، عليها أن تدرك أن جزءا من تضخم الأزمات الاقتصادية والأسعار يتعلق بالبطء الشديد الذى تتحرك به لمواجهة أزمة الدولار وتوفير العملة الأجنبية، على الأقل عليها أن توضح للرأى العام أو تعترف أن إجراءات تقييد الإيداع النقدى بالدولار فى البنوك التى تم فرضها فى فبراير الماضى من أجل القضاء على السوق السوداء لم تحقق هدفها، بل ضخت النشاط فى السوق السوداء بدليل ارتفاع سعر الدولار بالسوق السوداء الآن، وتحكم السوق السوداء فى أغلب رجال الأعمال والموردين الذين يسعون للاستيراد من الخارج.

 

 الحكومة أيضا مطالبة بأن تخبر المواطنين بمصير البضائع والسلع المحتجزة فى الموانئ بسبب عدم سداد المستوردين لقيمتها لقلة الدولار من سيتحمل تكاليف التخزين وكيف سيتم السيطرة على أسعارها التى سترتفع قطعا حتى يعوض التجار خسائرهم من لعبة الدولار.

 

وعى الحكومة لابد أن يتطور حتى يوضح للناس حقيقة يدها المغلولة عن التدخل فى مسألة أبواب الاستيراد المفتوحة على البحرى ليدخل من خلالها سلعا استفزازية تكلف الدولة مليارات الدولار وتسحب من السوق ما كان يكفى من الدولارات لحل أزمات أكثر حيوية واستيراد سلع أكثر أهمية، فليس من المعقول أن ننفق على الموبايلات مليار دولار وعلى أكل الكلاب والقطط نصف المليار دولار وعلى التفاح والكريز نصف المليار دولار ثم نجلس لنبكى بسبب اختفاء بعض الأدوية أو تعطل بعض المصانع بسبب عدم وجود مستلزمات تصنيع لأن السادة الأباطرة أنفقوا مخزون الشارع من الدولار فى هذه السلع الاستفزازية. أى عقل يقبل بأن تقف الحكومة مكتوفة الأيدى ولا تجرؤ على اتخاذ إجراءات ترشيد أبواب الاسيتراد طبقا لأجندة أولويات وحاجات الشعب المصرى مثلما تفعل باقى دول العالم، أى عقل يقبل بأن دولة استهلاكها السنوى من السكر 3 ملايين طن، تنتج منه محليا 2.4 مليون طن، أى يكفيها استيراد 600 ألف طن سكر فقط، ومع ذلك تفتح أبوابها لاستيراد 2 مليون طن زيادة، بشكل ينتج عنه إنفاق الكثير من الدولار فى غير موضعها، إغلاقة وتعطيل مصانع الإنتاج المحلى بعد إغراق السوق بما يزيد على حاجته من سكر. ارحموا مصر من جشع الأباطرة، ارحموا مصر من طمع الموظفين، ارحموا مصر من قلة وعى المسؤولين، وأنت كمواطن ارحم نفسك من الجرى خلف العصافير.. ركز مع ما هو أهم.


الأكثر قراءة



print