حاجة تجنن فعلا!..بلد يعانى من أزمة فى نقص الدولار وديون خارجية ملتزم بسدادها فى مواعيدها المحددة ومن عجز فى الموازنة بأكثر من ربع تريليون دولار- حوالى 279 مليار جنيه- ومع ذلك يستورد قمصان نوم وبيجامات حريمى وملابس جاهزة بأكثر من مليار دولار، وأكل قطط وكلاب وكافيار وأقلام رصاص وتفاح وموبايلات وغيرها من السلع الاستفزازية غير الضرورية التى تكلف الدولة فاتورة باهظة من العملة الصعبة..
ومع ذلك الحكومة تقف متفرجة على قمصان النوم والبيجامات، وعاجزة عن اتخاذ قرارات شجاعة بوقف استيراد هذه السلع ووضع قائمة قد تشمل أكثر من 60 سلعة ترهق خزينة الدولة وتضغط على الاحتياطى النقدى بالعملة الصعبة، المنخفض بالأساس والذى بالكاد يكفى استيراد السلع الحيوية والضرورية مثل الغذاء والدواء.
فهل الحكومة قادرة على إصدار قائمة فورية بوقف استيراد هذه السلع؟ أم أن القرار يجب أن يصدره رئيس الجمهورية؟
المثير للدهشة أن البنك المركزى المصرى هو وحده الذى يدير أزمة نقص الدولار فى السوق، ويصدر أرقام استيراد السلع غير الضرورية، والحكومة تكتفى بالمشاهدة، وكأن القضية لا تشغل بال أحد أو تؤرق سوى البنك المركزى، ولا دخل للحكومة بالأزمة التى تحتاج تضافر كل الجهود والعمل المشترك، سواء بترشيد الإنفاق الحكومى والكف عن قيام مؤسسات وهيئات حكومية باستيراد سلع غير ضرورية أو باتخاذ قرارات حاسمة لترشيد عمليات الاستيراد ووقف استيراد السلع الترفيهية و«التافهة».
فهل من المعقول أن نستورد بيجامات وقمصان نوم وملابس بهذه المبالغ فى الوقت الذى تعانى فيه المصانع الوطنية الكبرى مثل المحلة وكفر الدوار والإسكندرية من أزمات فى الإنتاج والعجز عن دفع رواتب ومكافآت وحوافز العمال؟ أين ملابس وبيجامات وقمصان المحلة التى كنا نتباهى بها فى محلات عمر أفندى وبيع المصنوعات والمتاجر الشعبية؟ وأين صناعة الكتب والكراسات والأقلام المصرية؟ ومنذ متى ونحن نستورد أكل القطط والكلاب؟ وأين صناعة الأحذية المصرية حتى نستورد 150 مليون «جزمة» – لا مؤاخذة- سنويا من الصين فقط؟ لمصلحة من تدمير الصناعة المصرية حتى فى أقل وأسهل السلع والمنتجات؟ قلنا مرات ومرات ووجهنا الكلام للرئيس والحكومة، إننا يجب أن نعلن حالة «اقتصاد الحرب» فى هذه الظروف الاقتصادية الصعبة فى ظل تراجع «مدخول» السياحة والاستثمارات الأجنبية وانخفاض معدلات التصدير وعائدات القناة وحتى تحويلات المصريين بالخارج وهى المصادر الرئيسية للدخل القومى المصرى، والهدف هو تشجيع المنتج المحلى وإعادة تشغيل المصانع المتعثرة والمتعطلة ومضاعفة إنتاج المصانع الحالية.
هل هناك ضرر فى وقف استيراد هذه السلع؟ لن يتضرر سوى حفنة من المستوردين وليست عمالة كبيرة متضررة من توقف الإنتاج، وهؤلاء المستوردون يستطيعون التوجه لاستيراد سلع حيوية وضرورية لدفع عجلة الإنتاج فى مصر ويوفرون على مصر مليارات الدولارات. الإحصائيات الرسمية ترصد أن تكاليف استيراد السلع شهريا فى مصر تصل إلى 6 مليارات دولار بخلاف المواد البترولية، يدبر منها البنك المركزى 3 مليارات والباقى من السوق السوداء..! يعنى بحسبة بسيطة إجمالى واردات مصر من الخارج سنويا يبلغ حوالى 72 مليار دولار- حوالى 576 مليار جنيه- منها فقط وفقا لتقديرات رسمية حوالى 60 مليار دولار سلع غير ضرورية ويمكن الاستغناء عنها وتعويضها محليا.
ما يحدث فى مصر لا تجد له مثيلا فى العالم، هذه مفارقات تدعو للأسى على حالة الاسترخاء واللامبالاة التى تتعامل بها الحكومة مع هذه القضية الضرورية والحيوية وأدائها الاقتصادى البائس.. فهل حكومة الـ«شريف إسماعيل» غير مهتمة بإنقاذ الاقتصاد المصرى وتوفير موارد مالية مهدرة فى بذخ ورفاهية الاستيراد؟