كيف تسير العلاقات المصرية الأمريكية؟.. حينما عاودت قراءة كتاب «شهاداتى» للدبلوماسى القدير أحمد أبوالغيط، وزير خارجية مصر لسبع سنوات امتدت من 2004 وحتى مارس 2011، استوقفتنى فقرة كتبها فى نهاية الفصل الخاص بالعلاقات المصرية الأمريكية، قال فيها: «إن العلاقات بين طرفين لهما وضعية مصر والولايات المتحدة يجب أن تقوم على سعى كليهما للحفاظ عليها والدفع بها إلى مستويات أعلى من التفاهم ما دامت تخدم مصالحهما المشتركة.. ويجب ألا يستشعر أحدهما أنه هو الذى يسعى للحفاظ عليها بينما الآخر يهدد بإجراءات هنا وهناك.. وإلا فإن هذه العلاقات يتهددها الانكسار فى لحظة قد يفقد أحدهما توازنه فى إدارتها والسيطرة عليها».
هذه الفقرة تلخص شكل العلاقات بين القاهرة وواشنطن التى كشف أبو الغيط فى كتابه عن التوجهات التى كانت تحكمها وما زالت تحكمها حتى وقتنا هذا، ومنها بطبيعة الحال الحفاظ على المصالح المشتركة بين البلدين، وضمان أمن المنطقة، وإن كانت هناك محاولات تتم بين الحين والآخر للضغط على مصر من خلال الحديث عن فكرة تقليل المساعدات العسكرية لمصر، وهى محاولات قديمة تستخدم إذا ما أرادت واشنطن من القاهرة أن تسير معها فى اتجاه معين فى قضية معينة.
والغريب أن هذه المحاولات تتم بتشجيع أطراف مصرية لا يمكن وصفها إلا بأنها عديمة الوطنية، فهى لا تستقوى فقط بالخارج بل تدعوه وتطالبه بالتدخل فى الشؤون الداخلية لمصر، مثلما فعلت مؤخراً وفود الجماعة الإرهابية التى زارت العاصمة واشنطن أكثر من مرة لتقليب الإدارة الأمريكية على القاهرة، ودعوة الأمريكان للتشدد مع مصر، وربما فرض عقوبات عليها، عقاباً على ثورة المصريين ضد نظام الإخوان الإرهابى. من يتابع العلاقات بين القاهرة وواشنطن؟.. يكتشف أنها ما زالت تسير على الوتيرة القديمة، ففترة تشهد صعوداً فى التفاهم وبعد ذلك يكتنفها غموض كبير، ومرجع ذلك بالتأكيد مرتبط بمواقف مصر من قضايا إقليمية تراها واشنطن مضادة لتوجهها ورؤيتها، لكن بشكل عام فإن واشنطن بدأت تعى ضرورة التعامل مع مصر، بعدما كانت تأخذ موقفاً منها بعد 30 يونيو، لكن منذ اللقاء الذى جمع الرئيسين عبدالفتاح السيسى وباراك أوباما على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة العام الماضى بدأت العلاقة تأخذ منحنى جديدا، أسفر عن إفراج الإدارة الأمريكية عن طائرات الأباتشى العشرة لمصر، وتسليم القاهرة طائرات إف 16 التى سبق وطلبتها مصر من الولايات المتحدة، وهو توجه يعتبر حميداً فى العلاقة بين البلدين.
هل سيستمر التفاهم بين القاهرة وواشنطن؟.. لا أحد يمكنه توقع مسار العلاقة مستقبلاً، لأن الولايات المتحدة رغم ما يشاع عنها بأنها إدارة مؤسسية فى علاقاتها الخارجية، فإنها بالطبع تتأثر بالشخصيات، ولا ننسى أن سوزان رايس القابضة على منصب مستشارة الأمن القومى الأمريكى لها مواقفها المتشددة تجاه مصر بعد 30 يونيو، كما أن الولايات المتحدة المقبلة على انتخابات رئاسية قوية ربما ستنشغل بالداخل عن الخارج، وسيؤثر ذلك على علاقاتها الخارجية وتحديداً بالشرق الأوسط وفى القلب مصر، كما أن التوجه الأمريكى الأخير نحو الإلقاء بكامل ثقلهم فى منطقة شرق آسيا لمواجهة الصعود المتنامى للصين، فضلاً عن تغيير الموقف الأمريكى من إيران بعد توقيع الاتفاق النووى، ربما تدفع كل هذه الأمور مجتمعة إلى توتر مستقبلى فى العلاقات بين القاهرة وواشنطن.
ولا يخفى على أحد أن واشنطن وهى تصيغ آليات جديدة لسياساتها الخارجية أنتجت مؤخراً الاتفاق النووى، فهى تحاول التقليل من تكلفة ما تتحمله الخزانة الأمريكية من عملياتها فى الخارج وتحديداً فى الشرق الأوسط، وأنها بدأت فى عملية تحميل دول المنطقة مسؤولية مواجهة المخاطر التى تواجهها، وسيؤدى هذا تدريجياً إلى صعوبات قد تقف أمام العلاقات المصرية الأمريكية، خاصة إذا ما سارت الإدارة الأمريكية مع بعض الأصوات داخل الكونجرس المطالبة بتخفيض أو إلغاء المساعدات العسكرية لمصر، وهو الأمر الذى بدأت تنتبه له القاهرة جيداً، وأخذت فى الانفتاح على قوى سياسية واقتصادية أخرى فى العالم حتى تصل فى النهاية إلى تنويع مقبول لخياراتنا الخارجية، وبما لا يضر بمصالحنا مع الولايات المتحدة والدول الأخرى.