سألت نائبا برلمانيا جديدا مستقلا عما إذا كان سينضم لأى من الائتلافات التى يتم بذل الجهد لتكوينها الآن، فأجاب أنه سينضم إلى الائتلاف الذى سيسهل إنجاز الخدمات لأبناء دائرته، وأكد أنه على هذا الأساس دخل فى البداية ائتلاف «دعم الدولة»، قبل أن يصيبه ما أصابه من تمزيق.
سألته: من ضمن لك أن الانضمام لهذا الائتلاف سيوفر لك الخدمات؟ وهل هناك أحد قال لك هذا الأمر صراحة؟ فأجاب مؤكدا، أنه لم يتحدث معه أحد فى هذا الشأن، ولكن بحسب تعبيره: «حسبتها كده، هم سيكونون الأغلبية، والأغلبية يعنى هى التى ستدافع وتهاجم الحكومة، وخوف الحكومة سيجعل وزراءها تحت ضرس الأغلبية».
بهذا الفهم عبر النائب البرلمانى المستقل عن تصوراته لائتلاف الذى سينضم إليه، وعن فهمه لدوره البرلمانى بشكل عام، وعن تصوراته للأغلبية البرلمانية ودروها، والأقلية ودورها، وبالرغم من حق هذا النائب فى أن يتحدث عن حاجة دائرته من الخدمات، والبحث عن وسائل تحقيقها، إلا أننا أمام حالة كاشفة لحالة العديد من النواب الجدد، وفى هذا السياق يلفت النظر تصريحات بعض هؤلاء النواب فور نجاحهم، فمثلا قال نائب إنه سيرد على المطالبين بتعديل قانون التظاهر بالمطالبة بالمزيد على تقييد المظاهرات، وضرب المتظاهرين بالرصاص الحى، ويؤكد نواب آخرون على أنهم يدخلون البرلمان مؤمنين بأن «المعارضة فى هذا التوقيت خيانة»، والحاصل من كل ذلك أن هناك حالة من الضبابية السياسية تسيطر على طبيعة البرلمان الذى سيبدأ نشاطه بعد أيام، غير أن أكثر ما يستوقفنا فى كلام النائب لى حول أنه سيدخل الائتلاف الذى سيساعده على توفير الخدمات، يعطينا نموذجا دالا على نوع من النواب يفكرون بنفس الطريقة التى سادت فى عهد مبارك.
كان الحزب الوطنى يدير ويشرف على شبكة المصالح، وكانت مؤسسات الدولة تخضع لما يمليه قيادات الحزب، وعلى هذه الخلفية رأينا «نائب الخدمات» الذى يقف دوره البرلمانى عند حدود إنجاز الخدمة ليس أكثر، ولأن الخدمة فى أيدى الأجهزة التنفيذية فإنه ومع تنازله عن الممارسة الحقيقة لدوره ينسحق أمام هذه الأجهزة حتى يحصل منها على الخدمة التى يريدها، وإذا نجح مرة، فسيفشل مرات. ومع التدهور السياسى العام وتفشى الفساد الذى أصبح واقعا ملموسا لدى أى مواطن يذهب لتأدية مصلحته من أى مصلحة حكومية، احتاج الناخبون فى دوائرهم إلى صوت يجمع بين مهارة تأدية الخدمة والكشف عن الفساد ومقاومته، ورأينا أسماء جمعت بين الاثنين بنجاح فوقف الناخبون وراءهم، وبعد ثورة 25 يناير انقلبت المعادلة، وكان نواب الخدمات ممن شملهم الغضب الكبير، ونجح نواب خاضوا الانتخابات لأول مرة، ولم يكن لهم رصيد من الخدمات أبدا، غير أن نغمة «الخدمات» عادت من جديد فى البرلمان الحالى، وهى تعبر عن واقع سياسى مأزوم، أسوأ ما فيه عدم ثقة المواطن فى إنجاز خدمته دون وسيط، وعدم الثقة فى أن الحكومة لديها خطتها الخدمية والتنموية التى توزعها بالتساوى على كل الدوائر، كما تعطى تأكيدا أن فضاء الممارسة السياسية يضيق، وأن هناك تراجعا كبيرا فى فرز النواب على أسس سياسية.
تصور بعض النواب عن أنهم نواب خدمات وفقط، وتصورهم أن البرلمان ليس أكثر من ذلك، وبحث هؤلاء عن الائتلاف الذى سيحقق لهم الخدمات التى يطلبونها هو وهم كبير، وإذا كانت شطر الخدمة لا يمكن إغفاله فى معادلة دور النائب، إلا أن الشطر الثانى المتمثل فى فهم النائب لدوره السياسى الشامل لا يمكن إهماله، وإن جرى تغييبه ستكون النتائج وخيمة، فمحاولة إعادة العجلة إلى الوراء محكوم عليها بالفشل، وإن استطاع أى نائب الضحك على ناخبيه مرة فلن يستطيع الاستمرار فى نفس لعبته.