الله سبحانه وتعالى كرم الإنسان، وفضله على كثير من خلقه تفضيلا، وقال فى كتابه العزيز: «وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِى آَدَمَ»، وهنا خاطب الله سبحانه وتعالى الإنسانية كلها بقوله «بنى آدم»، ولم يقل المسلمون أو المؤمنون إنما كَرم كل بنى آدم.
وقال سبحانه وتعالى أيضا: «وَحَمَلْنَاهُمْ فِى الْبَرِّ وَالْبَحْرِ»، وهنا يتجلى بوضوح تكريم ورعاية الله للإنسان فى البر والبحر، وأيضا قوله تعالى: «وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ» وهو نوع آخر من أنواع التكريم، أن يرزق الله البنى آدمين مأكلا ومشربا ومالا وبنونا، وغيرها مما يشابه.
وقال، وقوله الحق: «وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا»، وهو الدليل القاطع على تفضيل الإنسان عن سائر مخلوقاته، بمنحهم نعمة العقل، ليفكروا ويتدبروا، بجانب النعم الأخرى.
ورغم نعمة العقل التى منحها الله للإنسان إلا أنه كثيرا من الأحيان لا يستفيد منها، ولا يُعلى من شأنها، ويُعلى من شأن المشاعر المتغيرة والمتبدلة فوق قيمة وقامة العقل، فنجده يكرر نفس الأخطاء والجرائم، دون أن يستفيد أو يعطى لنفسه مساحة للاستفادة من نتائج الأخطاء والجرائم التى ارتكبها من قبل، والكوارث التى تسبب فى حدوثها.
على النقيض تماما نجد حيوانا مثل الحمار، لم يمنحه الله سبحانه وتعالى نعمة العقل، لا يقع فى الحفرة مرتين، ولا يكرر أخطاءه، ولا يعرض حياته للخطر، عكس الإنسان صاحب العقل والبصيرة. والإنسان الناشط السياسى الإستراتيجى، مثال صارخ وحى على عدم الاستفادة من نعمة العقل، وتفضيل الله له عن سائر مخلوقاته، فيكرر نفس الأخطاء، ويتسبب فى نفس الكوارث، ويخرج علينا فى صورة العبقرى والمالك الحصرى للحق والحقيقة، وما دونه لا يعى ولا يفهم.
وجدنا الإنسان الناشط السياسى الاستراتيجى والمتثور اللاإرادى، يرتكب كل الموبقات والكوارث طوال السنوات الخمس الماضية، وسلم نفسه لجماعات الشر، والخيانة، بمنتهى الطيبة والنقاء، واتخذ من كل مؤسسات الدولة، وفى القلب منها المؤسسة العسكرية، والشرطة والقضاء، عدوا له.
وجدنا الإنسان الناشط الاستراتيجى، يسخر نفسه لتذليل كل العقبات، وتطهير كل الطرق المؤدية لقصور السلطة من الألغام أمام جماعة الإخوان الإرهابية، لتسيطر على البلاد، وتضع خطة تغيير ممنهج للهوية المصرية وتاريخ الوطن المتجذر فى عمق التاريخ الإنسانى، والدفع به فى كيان هلامى وهمى فيه المواطن الأفغانى والصومالى والمالى أفضل وأهم من المواطن المصرى القبطى.
وجدنا الإنسان الناشط الاستراتيجى، يرتمى فى أحضان المؤسسات والجهات الدولية التى تعمل ليل نهار للدفع بمصر فى بحور الفوضى والانهيار والتقسيم، فى إطار مشروع ضخم لإعادة تقسيم المنطقة، ورغم تعرض البلاد لكل النكبات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية ووصولها إلى حافة الهاوية، مازال هؤلاء «البنى آدمين»، يمارسون كل أنواع الكبر والغرور والصلف والتحدى، مغلبين مشاعرهم العدوانية، وثأرهم الشخصى من المجتمع، ومؤسسات الدولة، فى الدعوات الدائمة والمستمرة لإثارة الفوضى.
هؤلاء لم يستفيدوا من انهيار جميع الدول التى اندلعت فيها ما يسمى اصطلاحا بـ«ثورات الربيع العربى»، وتمزق أواصلها، وسيطر عليها داعش سيطرة كاملة، فلم تعد هناك أوطان تسمى سوريا أو ليبيا أو اليمن، والدولتان الناجيتان تونس ومصر، مازالا يعانيان من آثار ثورات الربيع العربى، تونس تمر بأزمات اقتصادية وأمنية طاحنة، ومصر تدفع ثمن ويلات الانهيار الاقتصادى، وعندما وضعت أقدامها على الطريق الصحيح، بدأوا يعيدون نفس سيناريو الفوضى فى 25 يناير الجارى، لتسليم البلاد لداعش. إذن الناشط السياسى الاستراتيجى لم يصل إلى مرتبة الحمار فى عدم الوقوع فى نفس الحفرة مرتين.