هذا الطرح هو داعشى النهج بامتياز أن يحدثك سلفى عن أن عدد نواب البرلمان المسيحيين لا يتناسب مع نسبتهم الحقيقية فى عدد السكان، فأنت أمام تفكير داعشى بامتياز، وهو نفس التفكير الذى يقوله قيادى سلفى: «التهنئة بالأعياد المرتبطة بالعقيدة أشر من شرب الخمر وفعل الفواحش».
الفتوى«السلفية» بتحريم تهنئة المسلمين للمسيحيين فى أعيادهم، قالها الشيخ ياسر برهامى نائب رئيس الدعوة السلفية، وهو فى ذلك يواصل ما قيل من قبل،خاصة حين شهدت مصر فيضانا من هذه المهاترات وقت لعلعة صوت الإخوان والسلفيين،بعد اكتساحهم برلمان 2012،وفوز محمد مرسى بالرئاسة، وحتى لا يتصيد البعض هذا الأمر ويعتبرونه من كوارث ثورة 25 يناير، أقول إنه من مميزاتها،حيث أخرجت المسكوت عنه إلى العلن حتى يواجهه المجتمع بحسم.
يصدر لك أصحاب هذه الفتاوى الضالة أنهم استخرجونها بالمزورة من صحيح ديننا الحنيف،كى يقنعوك بأنهم المدافعون بحق عن الإسلام، وأنهم وحدهم الذين يفهمون صحيحه وأصوله، وأن الكثير مما ورثناه من آبائنا فى المعاملات ليس من الإسلام فى شىء، غير أن حقيقتهم تبدو ساطعة حين يدير المسلمون ظهورهم لمثل هذه الفتاوى، ويمارسون عادتهم الأصيلة فى تهنئة المسيحيين بأعيادهم، ويقدمون على هذا الفعل بإيمان بأن هذا هو الإسلام السمح الذى عرفوه.
لم تجد مثل هذه الفتاوى مجالها على الأرض، وبدت نبتا خبيثا فى التربة المصرية التى ينصهر المسلمون والمسيحيون فيها،ويعيشون على أرضية وطنية جامعة.
رفض هذه الفتاوى واستنكارها، هو فى حد ذاته ردا عمليا رافضا لهؤلاء الذين يأخذون من الإسلام قشوره،فلماذا إصرارهم على مواصلة ذلك؟ لماذا يضعون أنفسهم أمام تناقض فاضح،يتمثل مثلا فى خوض حزب النور الانتخابات البرلمانية وعلى قوائمهم كان يوجد مرشحون مسيحيون؟وتقودنا هذه الزاوية إلى ما هو أخطر، الذى ذكره القيادى السلفى «سامح عبد الحميد» فى بيان له، بأن برلمان 2015 فيه أعلى نسبة للأقباط فى تاريخ مصر، ودلل على ذلك بقوله، إن الأقباط لهم كوتة ونسبة إجبارية فى القوائم وترشحوا فى الفردى وحصلوا على عشرات المقاعد، والأقباط فى تعيينات الرئيس أيضا، وتابع قائلا: «هذا لا يعكس نسبتهم الحقيقية فى عدد السكان، والدستور وضع لهم كوتة ليضمن لهم التمثيل فى البرلمان، ولكنهم دخلوا فى الفردى والتعيينات، وجمعوا بين كل المميزات والصلاحيات، فلماذا تم إجبارنا على التصويت لهم فى القوائم، فى حين أنهم نجحوا فى الفردى بالعشرات».
هذا الطرح هو داعشى النهج بامتياز، ويقسم المصريين على أساس الديانة،ويريد لمصر أن تحكم بالطائفية والمذهبية بالضبط كما يحدث فى العراق، وكما يحدث فى سوريا، وكما يحدث فى ليبيا،تفكير يريد لمصر أن تدخل النفق المظلم الذى دخلته كل البلاد التى انتهجت الطائفية والمذهبية،تفكير ليس له علاقة بالمستقبل وأن تحدث باسم الدين.
يمارس المصريون حياتهم دون هذا التحجر،يعيش المسلمون والمسيحيون فى وطن واحد، تشغلهم تحديات واحدة، وعدوا واحدا،لم يفكر أحد فى مواجهة المحن الكبرى على طريقة أن هذه محنة تخص المسلمين، وهذه محنة تخص المسيحيين، فالكل فى الهم مصرى، لم يفكر أحد قبل هذه الجماعات المنغلقة فى أن التهنئة للمسيحيين فى أعيادهم من المسلمين حرام،لم يدر بخلدهم هذا الأمر، لا أناقش هذا الأمر من زاوية النص الدينى الذى يرد على النص الدينى الآخر الذى يستند عليه «برهامى» وغيره، فهذا كلام له مجال آخر، وله أصوله التى تقوم على فهم عميق وشامل وعاقل لصحيح الدين الإسلامى،أناقشه من زاوية بسيطة وواقعية وعملية، وهى لماذا لم يتجاوب المسلمون لمثل هذه الدعاوى؟ لماذا لم تؤثر فيهم مثل هذه الفتاوى؟ ألا يرى هؤلاء الواقع أمامهم؟ ألا يعرفون أن تدين المسلمين البسطاء هو أعمق بكثير من تدين هؤلاء الذين يحولون الدين إلى تجارة بفتاويهم الضالة؟