أليس فى طهران من ينزع فتيل العنف؟
الأزمة السعودية الإيرانية الحالية تؤكد أنه لا فارق كبير بين التيار الإصلاحى والتيار المحافظ فى إيران، وأن الرئيس الإصلاحى، واجهة ناعمة لشراسة الحكام الحقيقيين من المحافظين ولا حول له ولا قوة فى رسم السياسة الخارجية أو الداخلية فى إيرن. وكان معروفا أن انتخاب الدكتور حسن روحانى، المحسوب على تيار الإصلاح فى طهران، هو مناورة محسوبة من إيران فى الصراع مع الولايات المتحدة والغرب بشأن الملف النووى الإيرانى للإيهام بأن هناك تغييرا فى التركيبة السياسية الإيرانية الحاكمة. وكان انتخاب روحانى، المفكر والباحث الوسطى ورئيس مركز البحوث الاستراتيجية وكبير المفاوضين على البرنامج النووى الإيرانى مع الاتحاد الأوروبى والذى تخرج فى جامعات الغرب ويتحدث اللغات الخمس، رسالة مفهومة للغرب. فلا قرار إلا بموافقة المرشد الأعلى ومصلحة تشخيص النظام والرئيس عليه التنفيذ ولا تخضع له الوزارات السيادية مثل الدفاع والخارجية والداخلية.
التصعيد الأخير فى الأزمة مع السعودية يؤكد أن المنظومة السياسية فى إيران لم يطرأ عليها أى تغيير إلا بقدر ضئيل فى الداخل الاجتماعى الإيرانى، فلم ينطق صوت عاقل واحد فى طهران لتبريد الأزمة والحد من تصعيدها، وهو ما يعنى أن المشروع الإيرانى مستمر وأن العزف على وتر المذهبية الطائفية فى دول المنطقة، وخاصة دول الخليج منذ أكثر 35 عاما، وإيران تنصب نفسها «الوكيل الحصرى» للشيعة فى المنطقة حتى لو كانوا مواطنين غير إيرانيين.
فالرئيس حسن روحانى- الإصلاحى الوسطى والمفكر والباحث- ترأس بنفسه اجتماع التصعيد ضد السعودية بعد مزاعم ضرب السفارة الإيرانية فى صنعاء، وفى هذا الاجتماع تقرر منع استيراد كل البضائع المصنّعة فى السعودية أو تلك التى تدخل الأراضى الإيرانية عبر المناطق التجارية الحرة من الموانئ السعودية، واستمرار تعليق حجّ العمرة للإيرانيين.
إيران الإصلاحية والمحافظة توحدت خلف المشروع الأساسى وهو فرض الأمر الواقع بالقوة على المنطقة وفرض السيطرة المذهبية، وتحاول استخدام حادثة استهداف وهمية لطائرات حربية سعودية مبنی سفارة إيران فى العاصمة اليمنية صنعاء وتعتبره انتهاكاً صارخاً لكل القواعد والأعراف الدولية التى تدعو إلى الحفاظ علی أمن المقار الدبلوماسية فى كل الظروف، والهدف هنا هو التغطية على حادثة اقتحام السفارة والقنصلية الإيرانية فى طهران ومشهد.
المفارقة أن السفارة الإيرانية لم تصب بأذى أو ضرر وفقا للصور التى بثتها بعض الفضائيات العربية والأجنبية، وهو ما فسره البعض بأنه مقدمة لتفجير المبنى ونسبه إلى قوات التحالف، وهنا تكمن خطورة هذه المقدمات، التى تعتزم إيران وأنصارها فى اليمن القيام بها فى تطور جديد فى الأزمة للالتفاف حول الغضب العربى والدولى من إيران.
المفارقة الأخرى أن السلطة الشرعية فى اليمن اتخذت فى شهر أكتوبر الماضى قرارا بقطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران، وطلبت من دبلوماسييها مغادرة الأراضى اليمينة، فكيف يرتفع علم دولة إيران على المبنى، فوجود السفارة ورفع العلم هو تحدّ للحكومة الشرعية اليمنية، وهو ما يستدعى من الحكومة اليمنية أن تخاطب الأمم المتحدة بأن وجود إيران على أراضيها مخالف للأعراف الدبلوماسية وتحدّ للخيارات الوطنية اليمنية، مع التأكيد للأمم المتحدة أن اليمن غير مسؤولة عن أى شىء يحدث للسفارة، باعتبار وجود السفارة ومبعوثيها غير قانونى على الأراضى اليمنية، والدولة غير مسؤولة عن حمايتها أو حماية رعاياها.
السؤال الذى يشغل الكثيرين هو: لماذا لا نستمع إلى صوت عاقل واحد داخل إيران يخالف أصحاب الآراء المتشددة والمتوترة والتى تصب مزيدا من الزيت على النار؟ فلا صوت يعلو فوق صوت المحافظين المتشددين الذين يدفعون باتجاه التصعيد، رغم أن قادة المنطقة بما فيها السعودية لا ترغب فى ذلك وتعتبر ذلك كارثة كبرى فى المنطقة.
أليس فى إيران أصوات عاقلة تنزع فتيل العنف والتوتر والتصعيد وتدعو للحوار وتجنح للسلم؟