هؤلاء ارتكبوا ما لم يرتكبه ألد أعداء الوطن عندما حاولوا اقتحام وزارة الدفاع فى يوم أسود فى تاريخ مصر
نعم، مصطلح المصالحة، وإزالة دمامل الاحتقان والألم من الجسد الوطنى بين جميع التيارات السياسية المختلفة، أمر رائع ومدهش ومبهج.
نعم، لا يمكن لمن يتمتع بضمير حى أن يقبل الظلم لأى كائن من كان، ولكن فى نفس الوقت لا يمكن أن يقبل عدم تطبيق القانون ضد كل من أجرم فى حق هذا الوطن مهما كان اسمه أو مكانته.
وانطلاقا من هذه النقطة، أنا أختلف مع ما طرحه الزميل والصديق الكاتب الصحفى خالد صلاح، رئيس تحرير «اليوم السابع»، بدعوة مؤسسات الدولة للتصالح مع شباب 25 يناير، عبر البرنامج الذى يقدمه فى قناة النهار.
اختلافى مع الطرح أن الأسماء المذكورة، علاء عبدالفتاح وأحمد دومة وأحمد ماهر، ومحمد عادل، وغيرهم، ما هم إلا بضعة أشخاص شاركوا فى ثورة 25 يناير بجانب الآلاف من الشعب المصرى، ولا يمكن حصر الثورة فى هؤلاء الذين أسسوا اتحاد ملاك باسمها، وحولوها إلى بقرة حلوب، للاستفادة الشخصية منها.
هؤلاء ارتكبوا كل الموبقات فى حق الوطن، ونصبوا أنفسهم فوق الشعب والمجالس البرلمانية ومؤسسات الدولة، وفوق الدستور والقانون، يأمرون والجميع ينفذ دون مناقشة أو اعتراض.
هؤلاء أول من دشنوا فتاوى التكفير الوطنى والإقصاء والعزل السياسى، ضد معارضيهم والمختلفين معهم وصنفوهم بالفلول، والمفسدين فى الأرض، وأعدوا قوائم سوداء- من وجهة نظرهم- تضم سياسيين ورجال أعمال وفنانين ورياضيين وإعلاميين وشخصيات عامة.
هؤلاء أيضا أول من نشروا وثائق مزورة وملفقة، وفيديوهات ومكالمات شخصية، فى انتهاك صارخ للأمور الشخصية لخصومهم، ورقصوا على جثث الشرفاء واغتالوا سمعتهم، ولن ننسى يوم اقتحامات مقرات أمن الدولة، وحصولهم على وثائق، هرولوا مسرعين لنشرها على مواقع التواصل الاجتماعى، وكأنهم حصلوا على كنز ضخم، بجانب تبنيهم خطابا شتاما وبذيئا ووقحا ومنفرا أشاعوا من خلاله حالة من الإحباط واليأس لدى الغالبية الكاسحة من الشعب.
هؤلاء صدروا مشهد الفوضى فى الشارع، وتسببوا فى إزهاق المئات من أرواح الأبرياء فى أحداث مجلس الوزراء ومحمد محمود وميدان التحرير، والعباسية، وحاولوا إسقاط وزارة الداخلية ودشنوا لكراهية الجيش، وهتاف «يسقط يسقط حكم العسكر».
هؤلاء ارتكبوا ما لم يرتكبه ألد أعداء هذا الوطن عندما حاولوا اقتحام وزارة الدفاع، فى يوم أسود على تاريخ مصر سيقف أمامه الأجيال، جيلا وراء جيل، بالحسرة والألم وهم يشاهدون ويقرأون عن هؤلاء الذين حاولوا اقتحام مقر «عمود خيمة الوطن»، ليقدموا البلاد وجبة شهية على مائدة كل الأعداء.
هؤلاء الذين مهدوا وطهروا كل الطرق المؤدية إلى قصور السلطة، أمام جماعة الإخوان الإرهابية وسلموها مفاتيح الحكم، لتسيطر على البلاد، وتعيدها إلى القرون الوسطى، وزرعت أرضها بالعناصر الإرهابية، وروتها بدماء خير وأشرف من فى مصر، جنود الجيش والشرطة، أبناء ملح الأرض، فى القرى والنجوع.
هؤلاء رفضوا الانخراط فى العمل السياسى، وممارسة المعارضة الوطنية عبر المنابر القانونية والشرعية، وارتضوا أن يمارسوا سياسة «الشارع»، فى تبنى خطاب بذىء وشتّام ووقح، قولا، والدعوات للتخريب والتدمير والحرق، فعلا.
هؤلاء تسببوا فى انهيار البلاد، ودفعوا بها فى دوامة الصراع والخلافات الداخلية الطاحنة، والتنازع على اقتسام تورتة السلطة بعيدا عن الوسائل الدستورية والقانونية، وتأسيس كيانات تحت مسمى حركات وائتلافات وتنظيمات وجماعات لمنازعة الدولة، وعدم الاعتراف بالشرعية القانونية.
هؤلاء تحدوا الدولة، وحاولوا كسر أنفها، وإرادتها، ومرمطة هيبتها فى الميادين والشوارع، وإجبارها على إلغاء قانون التظاهر، وهو قانون مطبق فى كل الدول المحترمة، الكبرى منها، والنامية، والاعتراض على كل قرار يتخذه النظام المعبر عن إرادة الإجماع الشعبى.
نعم، أتفق مع الكاتب الكبير والصديق الأعز «خالد صلاح» فى أن الدولة تصالحت مع الجماعة الإسلامية، وباقى الحركات المسلحة، وحتى بعض أعضاء الحزب الوطنى المنحل، ولكن التصالح كان على أرضية وطنية، ومراجعات فكرية، واستتابة، والعودة لحضن الوطن، وعدم العبث بأمن وأمان واستقرار البلاد، وليس من باب الإفراج عنهم لمجرد أنهم شاركوا فى الثورة!!
وأسأل الأستاذ والصديق خالد صلاح: هل من المقبول أن كل من شارك فى الثورة يحصل على الحصانة، ولا يخضع للمحاسبة فى حالة إدانته بمخالفة القانون؟ وإذا كان الأمر كذلك، فالأجدر أن ينسحب الأمر على «الغارمات» أو الفلاحين الذين حصلوا على قروض بمبالغ زهيدة وتعثروا فى السداد وتمت محاكمتهم بالحبس والغرامة.
الآلاف من المصريين شاركوا فى الثورة، فلماذا يحتكر التحدث باسمها، مجموعة لا تتجاوز 50 فردا، يرتكبون كل الجرائم باسمها، ويختزلون كل تاريخ مصر بنضالهم وحراكهم الثورى فى 25 يناير، وتوقفت بهم ساعة الزمن عند هذا التاريخ لا يرون أى إنجاز قبله، ولا بعده؟!
ونقولها بكل قوة، إن الأحداث التى تعرضت لها فرنسا وأمريكا وبلجيكا وبريطانيا، مؤخرا، وشاهدنا بأم أعيننا المعالجة الأمنية لهذه الدول فى مواجهتها، من قرارات استثنائية ونزول الجيش، والتصفية الجسدية، أثبتت بالدليل العملى فساد كل ما كان يدشنه ويردده هؤلاء المتثورون من علاء عبدالفتاح وأحمد دومة ومحمد عادل وأسماء محفوظ، الذين كانوا يحرضون عيانا جهارا ضد جنود وضباط الجيش والشرطة، وحرقوا المجمع العلمى، ذاكرة الأمة.
وأسأل أيضا: هل تدار الدول من الشارع، سواء فى أعتى الدول الديمقراطية أمريكا وفرنسا وألمانيا وبريطانيا، أو فى غيرها من الدول النامية؟