مراسلات هيلارى كلينتون وزيرة خارجية أوباما خلال ثورة 25 يناير 2011 وتولى مرسى الحكم، والتى تفرج عنها الإدارة الأمريكية تباعا، تكشف إلى أى مدى كانت تحرك الإدارة الأمريكية وتدير المنطقة، من خلال أوامرها المباشرة أحيانا أو بناء على تطوعات أتباعها المخلصين
تحتاج هذه المراسلات إلى أن نجمعها كلها ونرتبها وفق تسلسلها، وأن نعكف عليها بالقراءة الفاحصة، خاصة ما يتعلق منها بالشأن المصرى، فقد شهدنا أكبر حدث منذ حرب أكتوبر وانتفض المجتمع كله ليشارك فى التحولات السياسية العنيفة، دون أن يدرى كثيرون أن جزءا من المشهد على الأقل كان مصطنعا، وأن كثيرين من المتصدرين لمواجهة الأحداث كانوا ينفذون سيناريو قرأوه من قبل، بينما الأبرياء من المواطنين يندفعون باتجاه الميادين ويهتفون من قلوبهم «عيش حرية كرامة إنسانية»، والسذج من السياسيين يعيدون قصة الحمل مع الذئب المتخفى.
هيلارى كلينتون فى مراسلاتها تكشف إلى أى حد كانت جماعة الإخوان واحدة من الأدوات التى تستخدمها الإدارة بانتظام لتفتيت البلاد العربية والإسلامية، وتكشف آيضاً إلى أى مدى يتمتع قيادات هذه الجماعة «الوظيفية» بانتهازية ووضاعة، حتى إن مرسى مثلا كان يبلغ البيت الأبيض عن تطرف حزب النور شريكه فى مشروع الحكم، ويصفه بالمتطرف الخطر على المصالح الأمريكية، بينما يقدم نفسه باعتباره وجماعته هم النموذج التركى من الحكم الإسلامى الذى يمكن أن يكون أمينا على المصالح الغربية والأمريكية.
المراسلات تكشف أيضا إلى أى مدى كان مبارك متشبثا بالسلطة، لا لشىء إلا للحفاظ على مكاسبه الشخصية وثروته وممتلكات عائلته، وكيف خاض مفاوضات طويلة مع المجلس العسكرى لتعيين عمر سليمان خليفة له، واشتراطه الحفاظ على جميع ممتلكاته وحقوقه، حتى يقبل التنحى والتوجه إلى شرم الشيخ، وبعد أن لوح له سامى عنان بثروة شخصية كبيرة يقدمها له العاهل السعودى الراحل الملك عبدالله، كل ذلك والبلد تغلى، وتكاد جموع الشباب المتحمس أن تقتحم القصور الرئاسية والمصالح الحكومية.
كان أعضاء المجلس العسكرى يرجون مبارك أن يتنحى، حتى يجنب البلد الصدام بين الجيش والشباب المتحمس إذا حاول اقتحام المنشآت العامة، بينما مبارك يماطل ويعطى كلمة ثم يسحبها بعد ساعات، ولولا ضغوط المشير طنطاوى، بحسب المراسلات، لكان قد فاض بالشباب الثائر واقتحموا المنشآت الحيوية وساعتها يعلم الله وحده ماذا كان يمكن أن يقع. جزء لا بأس به من الرسائل يكشف فيه مستشارو هيلارى كيف استطاعوا إدارة وتوجيه من أسموهم بالسياسيين السذج، لتأييد حصول الإخوان على السلطة وضمان عدم تكرار ثورة 1952، عندما تحول ضباط الجيش إلى سياسيين واصطدموا بمصالح واشنطن، وبالفعل شهدنا كيف حصل الإخوان على السلطة، وكيف تم تسويق شعار يسقط حكم العسكر لتشويه وشيطنة المجلس العسكرى رغم أنه استطاع حماية البلاد فى أصعب أزماتها.
ما صكته مراسلات هيلارى عن السياسيين السذج، يكشف بوضوح المحنة التى يعانى منها المجتمع المصرى، فقد جاء الإخوان وسقطوا إلى غير رجعة لكن السياسيين السذج ما زالوا موجودين وبقوة، نراهم فى المعارك الزائفة وفى المزايدات المستمرة وفى تكرار نفس الأخطاء التى تدفع البلد إلى الفوضى وتمنعها من النهوض.