أشاع النائب البرلمانى بأنه هو الذى يقف وراء رصف الطرق فى دائرته، ولإثبات صحة كلامه أظهر عدة طلبات تقدم بها إلى المحافظ يطالب فيها بعملية الرصف، وعليها توقيع من المحافظ بالموافقة، وفى الوقت الذى نشط فيه أنصار هذا النائب بالكلام عما اعتبروه إنجازا عظيما لنائبهم يؤكد مصداقيته ووعوده التى قطعها على نفسه أثناء دعايته الانتخابية، رد نائب آخر فى الدائرة بأنه هو من فعل ذلك.
تنازع النائبان على سرقة إنجاز ليس لهما أى فضل فيه، فرصف الطرق هو فى الأصل خطة موجودة مسبقا تضعها الحكومة وقت وضعها ميزانية العام، وبالتالى فإن النائب الفلانى ولا النائب العلانى ليس لهما فضل فى ذلك، أضف إلى هذا فإنه ليس من المنطقى أن يكون النائب أقدم على فعله بعد أقل من شهر على نجاحه، ثم استجاب له المحافظ على الفور بما يتطلب من توفير الميزانية اللازمة، لتبدأ عملية الرصف، هل من المعقول أن يتم كل ذلك فى ظرف أيام قليلة؟، لا تحتاج الإجابة على هذا السؤال إلى جهد، فكما يقولون: «العينة بينة».
أذكر هذه القصة بمناسبة بدء أعمال مجلس النواب (أمس الأول)، وهى تحمل دلالة عميقة على نوعية من النواب مازالوا على عهد أنهم يستطيعون الضحك على ناخبيهم، بأن ينسبوا لأنفسهم إنجازات وهمية، وأن الحكومة لا تعمل فى دوائرهم إلا بفضلهم. فهؤلاء والأمر هنا لا يقتصر على دائرة بعينها، ولا على نائب معين ينتسب إلى حزب بعينه، وإنما هى تشمل كل هؤلاء النواب الذين لا يعرفون أمانة العمل البرلمانى، ولا يعرفون أنهم يعملون عند الناخب، وأن الناخبين هم الذين حملوهم إلى مقاعدهم تحت القبة. غير أن المصيبة تكمن فى أن أساليب السطو على الإنجازات تعودنا عليها فى البرلمانات السابقة، كنا نرى نوابا ينسبون لأنفسهم إنجازات غير حقيقية، وحدث ذلك فى ظل استبداد نظام مبارك الذى كان يوزع مغانم الخدمات على نواب، ويحرمها على نواب آخرين، وحدث ذلك فى مقايضة واضحة بين السياسة والخدمة، فالنائب الذى ارتضى بهذه المقايضة، ترك محاسبة الحكومة سياسيا ليجرى وراءها خدميا.
ثار المصريون على هذه الممارسات الفاسدة فى ثورة 25 يناير، لكننا نرى بعض النواب يعودون من جديد، هؤلاء النواب يعملون «على قديمه»، يتجاهلون أن منسوب وعى الناس بحقوقهم السياسية وحقوق دوائرهم ارتفع، وأنهم يعلمون جيدا من يضحك عليهم، ومن معهم؟.
محاسبة النائب من ناخبيه أمر حتمى، وعلى هذه القاعدة فليضع كل ناخب أمامه الأجندة التى ألزم النائب نفسه بتنفيذها أثناء الدعاية الانتخابية حتى يعرف، ماذا تحقق منها؟. على الناخب أن يقيم النائب من حيث موقفه السياسى، هل يغير جلده طبقا لمصالحه الخاصة؟، هل قال شيئا أثناء دعايته الانتخابية ثم يقول عكسه بعد نجاحه؟، هل ينسب لنفسه ما هو غير حقيقى؟، كيف سيتعامل مع قضايا الفساد؟، وكيف سيكون مسلكه نحو الفاسدين؟، ما هى حدود علاقة النائب بالحكومة ووزرائها؟
هل هى علاقة تقوم على الندية والاحترام؟ أم علاقة تقوم من أجل تمرير المصالح فى مقابل غمض العين عن أخطاء ترتكبها الحكومة؟، كيف كان النائب فى ذمته المالية، وكيف أصبح؟
لو شعر النائب أنه موضع محاسبة من ناخبيه طوال فترة وجوده تحت القبة، وتشمل المحاسبة حدود تنفيذ النائب لمصالح دائرته، فسيكون هذا النائب تحت طلب الدائرة لو أراد النجاح مرة ثانية وثالثة، ولو أراد أن يذكره الناس والتاريخ بكل خير وحق فى حال عدم ترشحه مرة ثانية.