يدور فى العالم جدل ونقاش حول مستقبل الصحافة الورقية المطبوعة، مقابل الصحافة الإلكترونية، وأنا شخصيا أرى أنه لا مستقبل للصحافة الورقية فهى تتراجع، وسيكتب التاريخ قريبا نهايتها، لكن العديد من المنظمات الدولية المهتمة بمتابعة توزيع الصحف الورقية والإلكترونية أعلنت العام الماضى 2015 أن الصحف الورقية سجلت، ولأول مرة فى القرن الواحد والعشرين، زيادة فى معدلات التوزيع، والحقيقة أن هذه الإحصاءات كانت مفاجأة سعيدة لعشاق الصحافة الورقية، المتمسكين باستمرارها.
هذه الزيادة فى ظنى تقدم ربع الحقيقة، فمعدلات توزيع الصحافة الورقية «المدفوعة» ارتفعت فى العالم، لكن زيادتها محدودة للغاية مقارنة بمعدلات الزيادة والانتشار للصحف الإلكترونية «المدفوعة»، حيث سجلت نمو %6 مقارنة بحوالى %56 للصحف الإلكترونية عام 2015 مقارنة بعام 2014، وقد يقال: إن ذلك منطقى ويؤكد إمكانية التعايش بين الصحافة الورقية والإلكترونية، وربما التكامل الوظيفى بينهما، لكن قناعتى أنه تعايش مؤقت وزائل، لأن الزيادة فى توزيع الصحف الورقية تتركز فى آسيا وأفريقيا ودول شمال أفريقيا وأمريكا الجنوبية، وسجلت الهند ودول أخرى فى آسيا أكبر نمو فى توزيع الصحف الورقية، بينما تراجع توزيع الصحف الورقية فى أوروبا وأمريكا الشمالية وأستراليا، ما يعنى ببساطة أن الدول التى تحظى ببنية اتصالية وتكنولوجية متقدمة تتخلى عن الصحف الورقية لصالح الإلكترونية، ويبدو أن هذا المسار هو حكم التاريخ على الصحافة الورقية، بكلمات أخرى أن الزمن كفيل بتوفير بنية اتصالية متقدمة فى أفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية، ما يضمن مزيدا من التقدم للصحافة الإلكترونية والتراجع التدريجى فى وجود وانتشار الصحافة الورقية.
وفى خلفيات أرقام التوزيع هناك طرق حساب تحتاج إلى تدقيق ومراجعة، فبعض الإحصاءات الخاصة بتوزيع الصحف الورقية لا تميز بين الصحف التى توزع بالمجان والصحف المدفوعة أى التى تباع أو يسدد عنها المستفيد اشتراكا سنويا، والحقيقة أن ظاهرة الصحف المجانية انتشرت فى كل دول العالم، ولم تعد مقتصرة على صحف الإعلانات أو الفضائح، وإنما بدأت صحف رصينة ولها تاريخ توزع بالمجان!! حتى تضمن حصة من الإعلانات، والأهم تضمن بقاءها واستمرارها، على الجانب الآخر كثير من الصحف والمنصات الإلكترونية تقدم خدماتها بالمجان، وهى ميزة ارتبطت بنشأة الصحافة الإلكترونية، التى راهنت بالأساس على الدخل من الإعلانات لتغطية تكلفة إصدارها، وهو فيما أعتقد رهان منطقى للغاية، حيث يسجل الدخل من الإعلان عبر الصحافة الإلكترونية زيادة كبيرة سنويا، لكن من الضرورى أن تميز الإحصاءات بين الصحافة الإلكترونية المجانية والمدفوعة، ومن المهم أن أشير هنا إلى أن الإحصاءات الخاصة بالصحافة الإلكترونية تميز بين الإتاحة والوصول إلى تلك الصحف من خلال الهواتف الذكية والكمبيوتر المحمول، والكمبيوتر المكتبى، حيث تؤكد ComScore أن %30 من المستخدمين يأتون عبر منصات متحركة، وهناك توقعات بزيادة كبيرة فى هذا الاستخدام الذى تقوده التكنولوجيا وعادات الاستخدام لدى مئات الملايين من الشباب عبر العالم، ويتوقع أن ينمو الإعلان المحمول بسرعة ليحقق عام 2017 إيرادات بنحو 52 مليار دولار!!
إذن أين نحن فى مصر من ذلك؟ الإجابة صادمة ولا شك، حيث تتوجه أغلب الاستثمارات فى الإعلام إلى قنوات التليفزيون والصحف الورقية، ويذهب القليل إلى الصحافة الإلكترونية، والأغرب أن كل أرقام توزيع الصحف الورقية سرية، ولا تتوافر آليات محترمة وموثوق بها لمعرفة معدلات المشاهدة، بينما توفر الصحافة الإلكترونية أرقاما دقيقة عن زوارها ومستخدميها، لذلك أتوقع أن تجذب مزيدا من الإعلانات، خاصة أن وكالات الإعلان والشركات المعلنة تعرف تماما أن كثيرا من الصحف والمجلات الورقية القومية والحزبية توزع بضع مئات من النسخ، ومع ذلك تريد الاستمرار!!