البعض يتوقع تقارباً خليجياً إسرائيلياً
مع بدء تنفيذ الاتفاق بين إيران والقوى الكبرى أمس الأول الذى بمقتضاه سيتم رفع العقوبات الغربية عن طهران، سنكون أمام سؤال كبير: «إلى أى وضع ستذهب المنطقة؟ وكيف سنتعامل مع إيران «الجديدة»؟ وهل نحن بصدد تعاظم أكبر للدور الإيرانى فى مقابل تراجع عربى أكثر مما هو عليه الحال الآن؟ هى أسئلة تنشغل بها الأطراف التى يهمها الدخول إلى المستقبل بأعين مفتوحة التى تعلم جيدا أن الغد لا يمكن له بأى حال من الأحوال أن يكون مثل الأمس مع هذه القضية، فالاعتقاد بأن الغرب سيبقى على حال عداوته مع إيران كما بدأت منذ ثورتها الإسلامية عام 1979، سيكون وهما كبيرا.
إيران الآن يحتاجها الغرب كما هى تحتاجه وفقا لمجموعة مصالح متبادلة، كما أنها استطاعت فى السنوات الماضية أن تفرض وجودها الإقليمى فى المنطقة عبر تواجدها بقوة فى العراق ولبنان وسوريا واليمن، وإذا كانت هى قامت ببناء هذا التواجد فى عز العقوبات الدولية على طريقة صانع السجاد الماهر الذى ينسج العقدة وراء الأخرى، فما بالنا بالحال التى ستكون عليه والعقوبات مرفوعة والإفراج عن عشرات مليارات الدولارات المجمدة التى سيصاحبها بلا شك رواج اقتصادى محتمل.
هناك من يفسر هذا التحول على نحو أنه يحمل تراجعا غربيا بالاهتمام بدول الخليج، على اعتبار أن هذه الدول كانت هى بمثابة آلة الدفع القوية للغرب فى تشدده مع إيران، وأن هذه الآلة تجاورت مع آلة أخرى هى إسرائيل، وبناء على ذلك بقى هذا العداء مرهونا بإرادة خليجية تجذب معها أطرافا عربية أخرى، وإرادة إسرائيلية، وتأسيسا على ذلك يمضى هذا التفسير إلى القول بأنه مادام يتم رفع العقوبات دون موافقة خليجية وإسرائيلية، فهذا يعنى أن الغرب فى طريقه إلى استبدال حلفائه فى المنطقة.
وقد تكون تلك القراءة متسرعة، فلا الغرب سيتخلى عن الخليج، وبديهى أنه لن يتخلى عن إسرائيل، وبناء على ذلك يمكن القول بأنه ينظر إلى إيران وإلى المشهد الإقليمى كله من زاوية مصالحه الخاصة، بقدر ما تنظر إيران إلى الموضوع كله طبقا لمصالحها الخاصة، ولعل متابعة زيارة المسؤولين الاقتصاديين من ألمانيا وبريطانيا وفرنسا ودول غربية أخرى إلى إيران تؤكد على ذلك، فالكل يتسابق إلى عقد الاتفاقات التجارية والصناعية والاستثمارية مع إيران لتنفيذها فور بدء تنفيذ رفع العقوبات.
أمام هذه الأوضاع، تتجدد الأسئلة وتبدأ بسؤال: هل الدول العربية وفى قلبها مصر جاهزون لهذه المرحلة الجديدة؟ هل وضعنا إجابة على سؤال مهم وهو، هل سنترك الغرب وحده يلتهم كعكة الفوائد مما يحدث؟ لا شىء يمكن وضعه فى اليد الآن يقود إلى إجابة يقينية بأن هناك تقاربا عربيا شاملا مع إيران قد يحدث.
ولا شىء يقود إلى القول بأن الملفات الملتهبة فى المنطقة، فى العراق وسوريا ولبنان واليمن وليبيا فى طريقها إلى الحل بتوافق دولى وإقليمى فيه إيران، فكل ما نراه هو التصميم على صيغة الغالب والمغلوب فى هذه الملفات، ولهذا يبقى الوضع مأزوما، ويبقى الصراع على حاله، ويبقى الغرب هو الفائز فى كل الأحوال، وتبقى إسرائيل فائزة فى كل الأحوال.
أسوأ السيناريوهات فى هذه الحالة الجديدة تتمثل فى اعتقاد البعض بأن قلق الخليج من التقارب الغربى الإيرانى قد يقود إلى تقارب «خليجى إسرائيلى»، استنادا على أن الطرفين يتفقان فى نظرتهما العدائية لإيران، رغم اختلاف درجات العداء من دول إلى أخرى، فهل سيحدث هذا؟