اليوم تعود تونس إلى سطح الأحداث، فى الذكرى الخامسة للثورة التى أطاحت بحكم زين العابدين بن على، خلال خمس سنوات حصل التونسيون على دستور جديد، وأحزاب سياسية، وحريات حزبية ونقابية ورأى وتعبير، ومثلما حرق محمد البوعزيزى نفسه، وأشعل الثورة، احترق شاب فى احتجاجات ضد البطالة فاندلعت مظاهرات جديدة، ومثلما كانت الثورة الأولى ضد البطالة، والتضخم والفساد، سوء الأحوال المعيشية وغياب الحريات.
فى 17 ديسمبر 2010 حرق محمد البوعزيزى البائع المتجول نفسه، احتجاجا على مصادرة بضاعته وإهانته، بدأت احتجاجات فى ولاية سيدى بوزيد امتدت لباقى الولايات انتهت إلى تنحى زين العابدين بن على ومغادرة تونس، وتم حل حزب التجمع الحاكم ومصادرة أملاكه، وحل «البوليس السياسى»، ومحكمة أمن الدولة.
جرت انتخابات المجلس الوطنى التأسيسى، وفازت حركة النهضة ممثلة الإخوان بـ90 مقعدا من 217. وانتخب الناشط الحقوقى محمد المنصف المرزوقى رئيسا انتقاليا، تم وضع دستور جديد، وفى أكتوبر 2014 أجريت أول انتخابات تشريعية بناء على الدستور فاز فيها حزب حركة نداء تونس بالأغلبية، وبعده حزب حركة النهضة، ثم الاتحاد الوطنى الحر، تلتها انتخابات رئاسية فاز فيها الباجى قائد السبسى رئيس الحكومة الانتقالية بعد الثورة، وتغلب على محمد المنصف المرزوقى رئيس الجمهورية المؤقت.
حصل التونسيون على دستور ورئيس ومجلس تشريعى، وبقيت مشكلة التنمية والاقتصاد المنهار، تراجعت معدلات النمو، انخفض دخل السياحة المصدر الرئيسى، وما كادت تنتعش حتى قضى عليها الإرهاب بهجمات منتجع سوسة.
كانت البطالة %12، ارتفعت إلى أكثر من %25، ووصلت فى بعض المناطق إلى %50، وبدلا من محمد البوعزيزى احترق رضا اليحياوى، وهو شاب جامعى طالت بطالته، صعقته الكهرباء عندما كان يحاول صعود عامود ضمن وقفة احتجاجية.
وفاته أشعلت مظاهرات الشباب العاطل فى كل مكان، الاحتجاجات تطورت إلى عمليات حرق ونهب وسلب، واقتحام للأمن وسقط ضحايا من المتظاهرين والأمن، الحكومة فرضت حظر التجول.
ليس فى يد النظام الكثير دون تنمية، وحتى الوظائف والمساكن التى وعدت بها الحكومة تبقى موضعية، التنمية متوقفة، وتحتاج إلى الاستقرار، والاحتجاجات تقود لمزيد من التراجع، المفارقة الآن المنصف المرزوقى الرئيس المؤقت يطالب بانتخابات مبكرة، مع أن فترة توليه لم تخل من احتجاجات، ولم تحقق تنمية ولا استقرارا، بل كانت الاغتيالات والإرهاب.
تبدو تونس على محك القلق والرعب، انتقلت من الثورة إلى الدولة، لا بديل عن تنمية وعدالة فى توزيع ثمارها، كل هذا يحتاج رؤية واستقرارا، تونس تعود للخلف ما لم تحصل على منح وأموال تنقذ الوضع مؤقتا.
قد تتغير حكومة أو حتى رئيس، لكن تبقى القضية الأساسية التنمية، يوما ما كان تونس ملهمة، لكنها تعانى من حالة انتقالية صعبة ودرسا لكل من يواجه هذا الوضع، إنه لا بديل عن التنمية، والتغيير خطوة خطوة، لأن الفوضى قد تعيد الوضع لنقطة الصفر.