تأسيس أى حزب هو تقريبا حاصل البيئة السياسية العامة، الحزب الوطنى القديم بزعامة مصطفى كامل هو حاصل النضال الوطنى، الذى تلا الثورة العرابية وتحرير مصر من الاحتلال الإنجليزى، وحزب الوفد كان حاصل البيئة السياسية العامة التى عرفتها مصر مع ثورة 1919، والاتحاد الاشتراكى كان حاصل «حياة الحزب الواحد» التى شاهدها نصف العالم تقريبا فى الخمسينيات والستينيات من القرن الماضى، أما أحزاب التجمع والأحرار والوطنى والوفد الجديد والعمل والناصرى، فكانت حاصل الحياة السياسية التى سادت مصر منذ منتصف السبعينيات من القرن الماضى، على أثر قرار السادات بعودة الحياة الحزبية، وبعد ثورة 25 يناير، رأينا انطلاقات لأحزاب جديدة، كانت أيضا حاصل الحياة السياسية التى ولدت مع هذه الثورة، وبعد ثورة 30 يونيو، جاء حزب «مستقبل وطن»، الذى يتعرض الآن لاهتزازات يراها البعض أنها الطريق إلى تراجعه، ليكون مجرد رقم فى الحياة الحزبية المصرية.
قدم «مستقبل وطن» نفسه للرأى العام، باعتباره الحزب الذى يعبر عن الشباب بحق، وكان سنده فى ذلك هو سن رئيسه ومؤسسه «محمد بدران» رئيس اتحاد طلاب مصر، الذى لم يمض على تخرجه فى الجامعة أكثر من عامين، وأثارت شخصيته جدلا كبيرا، وها هو الآن يترك الحزب ليسافر إلى أمريكا لمنحة دراسية، وحظى الحزب بـ«50» نائبا فى الانتخابات البرلمانية الأخيرة، ليكون الثانى فى الترتيب بعد حزب «المصريين الأحرار»، ورغم كل ذلك، فإن الاستقالات بدأت تدب فى الحزب، فهل يعد ذلك مقدمة لمرحلة أفول الحزب؟
تقدمت أمانات الحزب فى التل الكبير بالإسماعيلية وطهطا بسوهاج، بالإضافة إلى السويس باستقالات، وسبب الاستقالات كما قال أصحابها، أنهم يعترضون على دخول رموز الحزب الوطنى المنحل إلى الحزب، وبقدر ما يبدو هذا السبب له منطقه عند أصحابه، بقدر ما يبدو لافتا، فالحزب يضم العديد من عناصر كانت فى الحزب الوطنى فى تشكيلات المحافظات، كما أن هناك قدرا عاليا من التسامح انتهجه معظم الأحزاب نحو هذه العناصر، بشرط ألا تكون متورطة فى قضايا فساد مالى، وأن انضمامها لـ«الوطنى» كان لمجرد حمل الكارنيه الحزبى، ربما يساهم فى تقديم الخدمات المحلية، وطبقا لذلك، فإن الاكتفاء بمسألة «أعضاء الوطنى السابقين» كمؤشر فى رصد تطور أو تراجع حزب «مستقبل وطن» أو أى حزب جديد، لن يعطى نتائج نهائية دقيقة.
علينا أن نتأمل جيدا فى القراءات التاريخية، لماذا تحصد أحزاب جديدة فى أول انتخابات تخوضها عددا كبيرا من المقاعد فى الانتخابات ثم تدخل مرحلة الضعف بعد ذلك؟ ولماذا تتزايد عضويتها فى بداية تأسيسها، ثم يستقيل معظم الأعضاء؟ مما يجعلها كما لو كانت فرقعة، وحدث هذا فى تجارب حزب الأحرار، برئاسة مصطفى كامل مراد، فى سبعينيات القرن الماضى، وحزب العمل برئاسة المهندس إبراهيم شكرى، وبقدر ما فى حزب الوفد، بقيادة فؤاد سراج الدين، وحزب التجمع برئاسة خالد محيى الدين، وكلها محصورة فى فترة السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضى، أى مع السادات ومبارك، بما يعنى أن البيئة السياسية التى أدت إلى ذلك، كانت واحدة فى عهديهما، وهى البيئة التى ثار المصريون عليها فى 25 يناير، وحلموا بحالة سياسية مختلفة تكفل الحرية فى تكوين الأحزاب عبر حالة أشمل، تكفل الديمقراطية الصحيحة، وأهم ما فيها التبادل السلمى فى تشكيل الأحزاب للحكومات عبر صندوق الانتخابات. هل لو زادت الاستقالات فى «مستقبل وطن» مستقبلا، وأصبح الحزب كسابقيه من الأحزاب التى بدت أمام الرأى العام وكأنها قوية ثم تراجعت وأصبحت كما مهملا، سيكون ذلك دليلا على عقم الحياة الحزبية الحالية؟ وهل يصلح القياس فى هذا السؤال على تجربة هذا الحزب، أم أن أيادى أبنائه ستتحرك لإنقاذه؟